فصل: المذهب الثاني أن يفتتح العهد بلفظ من فلان باسم الخليفة وكنيته ولقب الخلافة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


 المذهب الثاني أن يفتتح العهد بلفظ من فلان باسم الخليفة وكنيته ولقب الخلافة

إلى فلان باسم السلطان وكنيته ولقب السلطنة كما في المكاتبات ان يفتتح العهد باسم الخليفة ثم يأتي بعد ذلك بلفظ أما بعد ثم تارةً يأتي بعد البعدية بتحميد مثل أن يقول‏:‏ ‏"‏ أما بعد فالحمد لله ويتلخص إلى ذكر أمر الولاية وما ينخرط في سلكها وتارةً يأتي بعد البعدية بخطاب المولى والدعاء له ويتلخص إلى مقاصد العهد‏:‏ من الوصايا وغيرها على اختلاف مقاصد الكتاب وعلى ذلك كانت العهود في دولة الفاطميين بمصر‏.‏

قات‏:‏ وقد يستحسن هذا المذهب فيما إذا كان المعهود إليه غائباً عن حضرة الخليفة‏:‏ لأن العهد يصير حينئذ كالرسالة الصريحة إليه بخلاف ما إذا كان بحضرته فإنه لا يكون في معنى الرسالة الصريحة‏.‏

وعلى هذا المذهب كتب أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله عهد شرف الدولة شيرزيك بن عضد الدولة بن بويه وهذه نسخته‏:‏ من عبد الله عبد الكريم الإمام الطائع لله أمير المؤمنين إلى شيرزيك بن عضد الدولة وتاج الملة أبي شجاع مولى أمير المؤمنين‏:‏ سلامٌ عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على محمدٍ عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏

أما بعد أطال الله بقائك أدام عزك وتأييدك وسعادتك ونعمتك وأمتع أمير المؤمنين بك وبالموهبة فيك وعندك فإن أمير المؤمنين يرى أن يحفظ على كل وليٍ أحمد مذاهبه وأرضى ضرائبه وانصرف عن الدنيا متمسكاً بطاعته متديناً بمشايعته حقوقه المتوحدة وحرماته المتمهدة فيمن يخلفه بعده من ولدٍ أمل أن يرث عن محله ويقوم فيه مقامه وفاءً لأهل الولاية وتصرفاً على أحكام الرعاية وسياقةً للصنيعة من سالفٍ إلى خالف وإمضائها من تالدٍ إلى طارف‏.‏

هذا على الأمر الجامع والعموم الشامل فإذا اتفق أن منتهى وراثة القرب إليه والمنازل لديه إلى النجباء الأفاضل والحصفاء الأماثل الذين يستحبون استئناف الاصطناع لهم واستقبال التفويض إليهم بالمناقب الموجودة فيهم لو انفردت عما حازوه عن آبائهم وأوليائهم أجرى أمير المؤمنين ما يفضيه عليهم من الأيادي ويرقيهم إليه من هضاب المعالي مجرى الأمر الواجب الذي كثرت الدواعي إليه واتفق الرأي والهوى عليه وتطابق الإيثار والاختبار فيه واقرن الصواب والسداد به واشترك المسلمون في استثمار فائدته وعائدته والانتفاع بتأديته وعاقبته والله يخير لأمير المؤمنين فيما يمضيه من العزائم ويبنيه من الدعائم ويعتمده من المصالح ويتوخاه من المناجح إنه على ذلك قدير وبه جدير وهو حسب أمير المؤمنين ونعم الوكيل‏.‏

وقد علمت أدام الله عزك وأمتع أمير المؤمنين بك أن شجرة بيتك هي التي تمكنت في الخدمة أصولها والفضيلة منوطةٌ بها وأسباب التمام والدوام مجتمعةٌ فيها فلذلك سبغت النعمة عليكم وامتد ظلها إليكم ونقلت فيها أقداحكم وتوفرت منها حظوظكم فتداولتموها بينكم كابراً عن كابر بمساعيكم الصالحة ومناهجكم الواضحة وتعاضدكم على ما لم تشعث الدولة الجامعة وطرف عنها الأعين الحاسدة وكان شيخك عضد الدولة وتاج الملة أبو شجاع رضوان الله عليه صاحب الرتبة الزعمى عند أمير المؤمنين وهمامها والممتطي غاربها وسنامها فعاش ما عاش مشكوراً محموداً ثم انقلب إلى لقاء ربه سعيداً رشيداً وأوجب أمير المؤمنين لك وله منك الحلول بمكانه وحيازة خطره وشانه إذا كنت أظفر ولده وأول المستحقين لوراثته وكانت فيك مع ذلك الأدوات المقتضيات لأن يفوض الأمور إليك ويعتمد فيها عليك‏:‏ من كفاية وغناء واستقلال ووفاء وسياسةٍ وتدبير وشهامةٍ وتشمير وتصرفٍ على طاعة أمير المؤمنين وإشبالٍ على إخوتك أجمعين وحسن أثرٍ فيما أنفذ أمرك فيه وإفاضة أمنٍ فيمن أمضيت ولايتك عليه وإحاطةٍ بدلائل الحوالة ومخايل الأصالة بمثلها تنال الغايات الأقاصي وتفترع الذوائب والنواصي فنولك أمير المؤمنين تلك المأثرة وخولك تلك المفخرة وجعل أخاك صمصام الدولة وشمس الملة أبا كاليجار أمتع الله بكما أمير المؤمنين بك تأييده والمتقدم بعدك على ولد أبيك وأجراكما في التطبيق بينكما والتقرير لمنازلكما على مثل ما جرى الأمر عليه بين ركن الدولة أبي عليٍ ومعز الدولة أبي الحسين سالفاً ثم بين عضد الدولة وتاج الملة أبي شجاع ومؤيد الدولة أبي منصور آنفاً تولاهم الله بالرحمة ونفعهم بما قبضهم عليه من وثائق العصمة وخصك أمير المؤمنين بعد ذلك بما يخص به ذو القدر الشامخ والقدم السابقة والمحلة السامية فذكرك بالتكنية ورفعك عن التسمية ولقبك لقبين‏:‏ أحدهما شرف الدولة لتشريفه بك أولياءه الذين أوطأهم عقبك وأعلقهم حبلك والآخر زين الملة لزينة أيامه بمعاليك وتضاعف جمالها بمساعيك وعقد لك بيده لواءين يلويان إليك الأعناق بالطوع ممن سراه وأبهجاه والكره ممن راعاه وأزعجاه وأمر أن تقام لك الدعوة على منابر مدينة اللام وما يجري معها من الأعمال بين الدعوة لأمير المؤمنين وبين الدعوة لصمصام الدولة وشمس الملة أمتع الله أمير المؤمنين بكما وأحسن الدفاع له عنكما‏:‏ إلحاقاً لك وله بعدك بأبيكما فيما كان شرف به من هذه الحال التي لم يبلغها غيره ولا أهل لها أحدٌ قبله وان يثبت ذكرك باللقب والكنية فيما ينقش من سكك العين والورق في دور الضرب بادياً وذكر صمصام الدولة كلأكما الله تالياً وحباك أمير المؤمنين مع ذلك بخلع تامة تفاض عليك وفرسين من جياد خيله يقادان إليك بمركبي ذهب من خاص مراكبه وسيفٍ ماضٍ من خيار أسيافه يعز الله منكبيك بنجاديه ويذل مناكب أعدائك بغراريه وطوق وسوارين‏.‏

وان تجرى في المكاتبة عنه إلى الغاية التي أجري أبوك رحمه الله إليها وهذا الكتاب ناطقٌ بها ودالٌ عليها‏.‏

وندب لإيصال الجميع إليك علي بن الحسين الهاشمي الزيني واحمد بن نصر العباسي حاجبه ووحى خادمه فتلق شرف الدولة وزين الملة وأبا الفوارس ذلك أدام الله عزك بما يحق عليك من تقوى الله في سرك وجهرك ومراقبته في قولك وعملك وابتغاء رضه في مختلج خطراتك وفكرك واتباع طاعته في مخارج أمرك ونهيك وقابل ما أنعم به عليك وأحسن فيه إليك بالشكر الذي موقعه من النعمة موقع القرى من الضيف فإن وجده لم يذم وإن فقده لم يقم وامدد على من وليت عله من الخاصة والعامة ظلك ووطيء لهم كنفك واغمرهم بطولك وسسهم سياسةً يكون بها صلاحهم مضموناً وحريمهم مصوناً وبلادهم معمورة ومنافعهم موفورة وحلبهم داراً وعيشهم رغداً وثغورهم مسدودة وأعاديهم مذودة ومسالكهم محمية ومساكنهم مرعية ومرهم بالمعروف وانههم عن المنكر وابعثهم على الحسنات واكففهم عن السيئات وساو في الحق بين شريفهم ومشروفهم وقويهم وضعيفهم وقريبهم وغريبهم ومليهم وذميهم وقوم سفهاءهم وجهالهم وانف دعارهم وخرابهم وأكرم صلحاءهم وعلماءهم وشاور فضلاءهم وعقلاءهم وجالس أدنياءهم وأعلياءهم وأنلهم مراتبهم ونزلهم منازلهم وأرهم تمسكك بالدين ليقتدوا بك فيه ورغبتك في الخير ليتقربوا إليك به وخذ الحق وأعطه وابسط العدل وقل به وادرإ الحدود بالشبهات وأقمها وأمضها بالبينات‏:‏ لتكون الرغبة إليك في رغب والرهبة منك في رهب وبالجملة فاحمل الناس على كتاب الله جل وعز وآدابه وسنة الرسول وما جاآ به‏.‏

واعلم أن أمير المؤمنين قد جعل كتابه هذا عهداً إليك وحجةً لك وعليك وأن الأوامر و النواهي في العهود تكون كثيرة‏:‏ وإنما قصر فيه عن استيفائها لارتفاع طبقتك عن الحجة إلى استقصائها وللخروج إلى الله من الحق في تضمينه هذه الجمل منها فإذا وصل ذلك إليك مع كرامات أمير المؤمنين المقدم ذكرها لك فالبس خلعه وتقلد سيفه وتحل بحلاه وابرز لمن يليك على حملانه وأظهر له ضروب إحسانه وامتنانه وانصب أمامك الواءين وتكن وتلقب باللقبين وكاتب من تكاتب من طبقات الناس متلقباً بهم متكنياً إلا أمير المؤمنين فإن الأدب أن لا تكاتبه متلقباً بل متسمياً وليس ذلك ناقصاً لك فيما أعطيته ولا مرتجعاً شيئاً مما حبيته ولكنه الأمر بالمعروف والرسم المألوف وصل ما بينك وبين أخيك صمصام الدولة وشمس الملة أدام الله الإمتاع بكما بالمودة كما وصله الله بالأخوة واتفقا على مسالمة المسالمين وتعاضدا في محاربة المحاربين فإن ذلك أرأب للصدع وأحتم للبشر وانظم للشمل وأليق بالأهل‏.‏

وأقم الدعوة لنفسك على منابر الممالك بعد إقامتها لأمير المؤمنين وكاتب أمير المؤمنين بأخبارك وطالعه بآثارك واستدع أمره فيما استعجم من التدبير عليك ورأيه فيما استبهم من الأمور دونك واسترشده إلى الحظ يرشدك واستهده في الخطوب يهدك واستمده من المعونة يمددك واشكر آلائه يزدك إن شاء الله تعالى‏.‏

أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك وسعادتك ونعمتك وأمتع أمير المؤمنين بك وبالرغبة فيك وعندك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته‏.‏

وعلى هذا النمط كتب القاضي الفاضل عهد أسد الدين شيركوه بالوزارة عن العاضد من عبد الله ووليه عبد الله أبي محمدٍ الإمام العاضد لدين الله أمير المؤمنين إلى السيد الأجل الملك المنصور سلطان الجيوش ولي الأمة فخر الدولة أسد الدين كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين أبي الحارث شيركوه العاضدي عضد الله به الدين وأمتع بطول بقائه أمير المؤمنين وأدام قدرته وأعلى كلمته‏.‏

سلامٌ عليك‏:‏ فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على سيدنا محمدٍ خاتم النبيين وسيد المرسلين صلى الله عليه وعل آله الطاهرين الأئمة المهديين وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

أما بعد فالحمد لله القاهر فوق عباده الظاهر على من جاهر بعناده القادر الذي يعجز الخلق عن دفع ما أودع ضمائر الغيوب من مراده القوي على تقريب ما عزبت الهمم باستبعاده الملي بحسن الجزاء لمن جاهد في الله حق جهاده مؤتي الملك من يشاء بما أسلفه من ذخائر رشاده ونازعه ممن يشاء بما اقترفه من كبائر فساده منجد أمير المؤمنين بمن أمضى في نصرته العزائم واستقبله الأعداء بوجوه الندم وظهور الهزائم وفعلت له المهابة ما لا تصنع الهمم وخلعت آثاره على الدنيا ما تخلعه الأنوار على الظلم وعدمت نظراؤه بما وجد من محاسنه التي فاق بها ملوك العرب والعجم وانتقم الله به ممن ظلم نفسه وإن ظن الناس أنه ظلم وذاد عن أمير المؤمنين من هو منه أولى بها ويأبى الله سبحانه إلا إمضاء ما حتم ورام إخفاء فضله وهل يشتهر الطيب المسك إلا إذا اكتتم مؤيد أمير المؤمنين بإمامٍ أقر الله به عينهم وقضى على يده من نصرة الدين دينهم‏:‏ ‏"‏ لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ‏"‏‏.‏

الحمد لله الذي خص جدنا محمداً بشرف الاصطفاء والاجتباء وأنهضه من الرسالة بأثقل الأعباء وذخر له من شرف المقام المحمود أشرف الأنصباء وأقام به القسطاس وطهر به من الأدناس وأيده بالصابرين في البأساء والضراء وحين البأس وألبس شريعته من مكارم الأفعال والأقوال أحسن لباس وجعل النور سارياً منه في عقبه لا ينقصه كثرة الاقتباس‏:‏ ‏"‏ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ‏"‏‏.‏

والحمد لله الذي اختار أمير المؤمنين لأن يقوم في أمته مقامه وهدى بمراشد نوره إلى طرق دار المقامة وأوضح به منار الحق وأعلامه وجعله شهيد عصره وحجة أمره وباب رزقه وسبيل حقه وشفيع أوليائه والمستجار من الخطوب بلوائه والمضمونة لذويه العقبى والمسؤول له الأجر في القربى والمفترض الطاعة على كل مكلف والغاية التي لا يقصر عنها بولائه إلا من تأخر في مضمار النجاة وتخلف والمشفوع الذكر بالصلاة والتسليم والهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم لا يقبل عملٌ إلا بخفارة ولائه ولا يضل من استضاء بأنجم هدايته اللامعة ولا دين إلا به ولا دنيا إلا معه‏:‏ ليتضح النهج القاصد ولتقوم الحجة على الجاحد وليكون لشيعته إلى الجنة نعم الشافع والرائد وليأتي الله به بنيان الأعداء من القواعد وليبين لهم الذي اختلفوا فيه وليعلموا أنما هو إلهٌ واحد‏.‏

يحمده أمير المؤمنين على ما حباه من التأييد الذي ظهر فبهر وانتشر فعم نفعه البشر والإظهار الذي اشترك فيه جنود السماء والأرض والإظفار الذي عقد الله منه عقداً لا تدخل عليه أحكام النقض والانتصار الذي أبان الله به معنى قوله‏:‏ ‏"‏ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ‏"‏‏.‏

ويسأله أن يصلي على سيدنا محمدٍ الأمين المبعوث رسولاً في الأميين الهادي إلى دار الخلود المستقل بيانه استقلال عواثر الجدود والمعدود أفضل نعمة على أهل الوجود والصافية بشريعته مشارع النعمة والواضحة به الحنيفية البيضاء لئلا يكون أمر الله عليهم غمة وعلى أبينا أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ناصر شريعته وقسيمه في النسب والسبب ويد الحق التي حكم لها في كل طلب بالغلب وعلى الأئمة من ذريتهما وسائط الحكم ومصابيح الظلم ومفاتيح النعم والمخفقين دعوى من باهاهم وفاخر والباذلين جهدهم في جهاد من اتخذ مع الله إلهاً آخر وسلم وردد ووالى وجدد‏.‏

وإن أمير المؤمنين لما فوضه الله تعالى من إيالة الخليقة ومنحه من كرم السجية وكرم الخليقة وبسطه من يد على أهل الخلاف وأنجزه من موعوده الذي ليس له إخلالٌ ولا إخلاف وأوضحه من براهين إمامته للبصائر وحفظ به على الإسلام من طليعته المباديء وساقة المصير وأورثه من المقام الذي لا ينبغي إلا له في عصره واستخدم فيه السيوف و الصروف و من تأدية فرائض نصره وأظهر له من المعجزات التي لا يخلو منها زمن وظاهر له من الكرامات التي زادت على أمنية كل متمن وأتمنه عليه من أسرار النبوة التي رآه الله تعالى لها أشرف مودع وعليها أكرم مؤتمن وأجرى عليه دولته من تذليل الصعاب وتسهيل الطلاب وتفليل أحزاب الشرك إذا اجتمع كما اجتمعوا على جده صلى الله عليه وسلم أهل الأحزاب يواصل شكر هذه النعم التوام ويعرف بعوارفها الفرادى والتؤام ويقدم بين يدي كل عمل رغبةً إليه في إيضاح المراشد ونيةً لا تضل منها الهداية ولا سيما وهو الناشد ويستخيره عالماً أنه يقدم إليه أسباب الخير ويناجيه فيطلعه الإلهام على ما يحلي السير ويجلي الغير ويأخذ بيد الله حقه إذا اغتصبت حقوقه ويستنجد بالله إذا استبيح خلافة واستجيز عقوقه ويفزع إلى الله تعالى إذا قرع الضائر ويثق بوعد الله تعالى إذا استهلكت الشبه البصائر فما اعترض ليل كربٍ إلا انصدع لله عن فجرٍ وضاح ولا انتقض عقد غادر إلا عاجله الله سبحانه بأمرٍ فضاح ولا انقطعت سبل نصرةٍ إلا وصلها الله تعالى بمن يرسله ولا انصدعت عصا ألفة إلا تدارك الله تعالى بمن يجرده تجريد الصفاح وإذا عدد أمير المؤمنين هذه النعم الجسيمة والمنح الكريمة واللطائف العظيمة والعوارف العميمة والآيات المعلومة والكفايات المحتومة والعادات المنظومة كنت أيها السيد الأجل أدام الله قدرتك وأعلى كلمتك أعظم نعم الله تعالى أثراً وأعلاها خطراً وأقضاها للأمة وطراً وأحقها بأن تسمى نعمةً وأجدرها بأن تعد رحمةً وأسماها أن تكشف غمةً وأنضاها في سبيل الله سبحانه عزمةً وأمضاها على الأعداء حدا وأبداها في الجهاد جدا وأعداها على الأعداء يدا وأحسنها فعلاً لليوم وأرجاها غدا وأفرجها للأزمة وقد كادت الأمة تصير سدى وأحق الأولياء بأن يدعى للأولياء سيدا وأبقاهم فعلةً لا ينصرم فعلها الذي بدا أبدا‏.‏

فليهنك أنك حزب الله الغالب وشهاب الدين الثاقب وسيف الله القاضب وظل أمير المؤمنين الممدود ومورد نعمته المورود والمقدم في نفسه وما نؤخره إلا لأجل معدود نصرته حين تناصر أهل الضلال وهاجرت إليه هاجراً برد الزلال وبرد الظلال وخضت بحار الأهوال وفي يدك أمواج النصال وها في جيدك اليوم عقد جواهر منه ونظم لآل بل قد بلغت السماء وزينت منك بنجوم نهار لا نجوم ليال وكشفت الغماء وهي مطبقةٌ ورفعت نواظر أهل الإيمان وهي مطرقةٌ وعقصت أعين الطغيان وهي مطلقةٌ وأعدت بحنكتك على الدولة العلوية بهجة شبابها المونقة وأنقذت الإسلام وهو على شفى جرفٍ هار ونفذت حين لا تنفذ السهام عن الأوتار وسمعت دعوته على بعد الدار وأبصرت حق الله ببصيرتك وكم من أناس لا يرونه بأبصار وأجليت طاغية الكفر وسواك اجتذبه وصدقت الله سبحانه حين داهنه من لا بصيرة له وكذبه وأقدمت على الصليب وجمراته متوقدة وقاتلت أولياء الشيطان وغمراته متمردة وما يومك في نصرة الدولة بواحد ولا أمسك مجحودٌ وإن رغم أنف الجاحد بل أوجبت الحق بهجرة بعد هجرة وأجبت دعوة الدين قائماً بها في غمرة بعد غمرة وافترعت صهوة هذا المحل الذي رقاك إليه أمير المؤمنين باستحقاقك وأمات الله العاجزين بما في صدورهم من حسرات لحاقك وكنت البعيد القريب نصحه المحجوب النافذ بحجته المذعورة أعداء أمير المؤمنين به إن فوق سهمه أو أشرع رمحه وما ضرك أن سخطك أعداء أمير المؤمنين و أمير المؤمنين قد ارتضاك ولا أن منعك المعاند حقك وقد ارتضى لك واقتضاك وما كان في محاجزتك عن الحظ في خدمة لذي أنت به منه أولى ومدافعتك عن حقك في قرب مقامه الذي لا يستطيع طولا إلا مغالبة الله فيك والله غالبٌ على أمره ومباعدتك وقد قربك الله من سر أمير المؤمنين وإن بعدت من جهره استشرفتك الصدور وتطلعت إليك عيون الجمهور واستوجبت عقيلة النعم بما قدمت من المهور ونصرت الإيمان بأهله وأظهرت الدين بمظاهرتك على الدين كله وناهضت الكفرة بالباع الأشد والرأي الأسد ونادتهم سيوفك‏:‏ ولا قرار على زأر من الأسد وأدال الله بك ممن قدم على ما قدم وندم فما أغنى عنه الندم حين لج في جهالته وتمادى في ضلالته واستمر على استطالته وتوالت من عثراتٌ ما أتبعها باستقالة فكم اجتاح للدولة رجالاً وضيق من أرزاقهم مجالاً وسلب من خزائنها ذخائر وأسلحةً وأموالاً ونقلها من أيدي أوليائها إلى أعداء الله تبارك وتعالى واتسعت هفواته عن التعديد وما العهد منها ببعيد وقد نسخ الله تعالى بك حوادثها فوجب أن تنسخ أحاديثها وأتى الأئمة منك بمن هو وليها والأمة بمن هو مغيثها ودعاك إمام عصرك بقلبه ولسانه وخطه على بعد الدار وتحقق أنك تتصرف معه حيث تصرف وتدور معه حيث دار واختارك على ثقةٍ من أن الله تعالى يحمده فيك عواقب الاختيار ورأى لك إقدامك ورقاب الشرك صاغرة وقدومك وأفواه المخاوف فاغرة وكرتك في طاعته وأبى الله تعالى أن تكون خاسرة وسطا بك حين تمالى بك المشركون وتمثل لرسلهم بقوله سبحانه‏:‏ ‏"‏ اخسئوا فيها ولا تكلمون ‏"‏ وأنفت عزته هجنة الهدنة‏.‏

وقال لأوليائه‏:‏ ‏"‏ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ‏"‏ وازدرى بخنازيرهم انتظار لوصولك بأسود الإسلام وصبر على أنك تلبي نداءه بألسنة الأعلام قبل ألسنة الأقلام فكنت حيث رجا وأفضل ووجدت بحيث رعى وأعجل وقدمت فكتب الله لك العلو وكبت بك العدو وجمع على التوفيق لك طرفي الرواح والغدو ولم يلبس الكافر بسهامك جنةً إلا الفرار وكان ‏"‏ كشجرةٍ خبيثةٍ اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ‏"‏ فلله درك حين قاتلت بخبرك قبل عسكرك ونصرت بأثيرك قبل عشيرك وأكرم بك من قادم خطواته مبرورة وسطواته للأعداء مبيرة وكل يوم من أيامه يعد سيرة وإنك لمبعوثٌ إلى بلاد أمير المؤمنين بعث السحاب المسخر ومقدمٌ في النية وغن كنت في الزمان المؤخر وطالعٌ بفئة الإسلام غير بعيد أن يفيء الله عليها بلاد الكفار ورجال جهادٍ عددناهم عندنا من المصطفين الخيار وأبناء جلاد يشترون الجنة بعزائم كالنار وغرر نصرٍ سكون العدو بعدما غرورٌ ونومه غرار‏.‏

ولما جرى من جرى ذكره على عاداته في أمير المؤمنين حاشك والإيحاش منك بكواذب الظنون ورام رجعتك عن الحضرة وقد قرت بك الدار وقرت بك العيون وكان كما قال الله تعالى في كتابه المكنون‏:‏ ‏"‏ لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ‏"‏ هنالك غضبت نفوس الإسلام ففتكت به أيديها وكشفت له عن غطاء العواقب التي كانت منه مباديها وأخذه من أخذ أليمٌ شديد وعدل فيه من قال ‏"‏ وما ربك بظلامٍ للعبيد ‏"‏‏:‏ ‏"‏ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد ‏"‏‏.‏

ولما نشرت لواء الإسلام وطواه وعضدت الحق وأضعف قواه وجنيت عقبى ما نويت وجنى عقبى ما نواه وأبيت إلا إمضاء العزم في الشرك وما أمضاه ‏"‏ أفرأيت من اتخذ إلهه وأضله الله ‏"‏ ودفعت الخطب الأشق وطلعت أنوار النصر مشرقة بك وهل تطلع الأنوار إلا من الشرق وقال لسان الحق‏:‏ ‏"‏ فأي الفريقين أحق ‏"‏ قضى الله تعالى إلى أمير المؤمنين عدةً قدمها ثم قضاها وولاه كما ولى جده صلى الله عليه وسلم قبلةً يرضاها وانتصر لك به انتصاره لآهل البيت بسلمانه وعماره وأنطق أمير المؤمنين باصطفائك اليوم وبالأمس كنت عقد إضماره وقلدك أمير المؤمنين أمر وزارته وتدبير مملكته وحياطة ما وراء سرير خلافته وصيانة ما اشتملت عليه دعوة إمامته وكفالة قضاة المسلمين وهداية دعاة المؤمنين وتدبير ما عدقه الله بأمير المؤمنين من أمور أوليائه أجمعين وجنوده وعساكره المؤيدين المقيمين منهم والقادمين وكافة رعايا الحضرة بعيدها ودانيها وسائر أعمال الدولة باديها وخافيها وما يفتحه الله تعالى على يديك من البلاد وما تستعيده من حقوقه التي اغتصبها الأضداد وألقى لك المقاليد بهذا التقليد وقرب عليك كل غرض بعيد وناط بك العقد والحل والولاية والعزل والمنع والبذل والرفع والخفض والبسط والقبض والإبرام والنقض والتنبيه والغض والإنعام والانتقام وما توجب سياسة إمضاءه من الأحكام تقليداً لا يزال به عقد فخرك نظيماً وفضل الله عليك وفيك عظيماً ‏"‏ ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً ‏"‏‏.‏

فتقلد ما قلدك أمير المؤمنين من هذه الرتبة التي تتأخر دونها الأقدام والغاية التي لا غاية بعدها إلا ما يمليك الله به من الدوام فلقد تناولتها بيد في الطاعة غير قصيرة ومساعٍ في خدمة أمير المؤمنين أيامها على الكافرين غير يسيرة وبذلت لها ما مهد سبلها ووصلتها بما وصل بك حبلها وجمعت من أدواتها ما جمع لك شملها وقال لك لسان الحق ‏"‏ وكانوا أحق بها وأهلها ‏"‏‏.‏

وتقوى الله سبحانه‏:‏ فهي وإن كانت لك عادة وسبيل لاحبٍ إلى السعادة فإنها أولى الوصايا بأن تتيمن باستفتاحها وأحق القضايا بأن تبتديء الأمور بصلاحها فاجعل تقوى الله أمامك وعامل بها ربك وإمامك واستنجح بها عواقبك ومباديك وقاتل بها أضادك وأعاديك قال الله سبحانه في كتابه المكنون‏:‏ ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغدٍ واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون ‏"‏‏.‏

والعساكر المنصورة فهم الذين غذوا بولاء أمير المؤمنين ونعمه وربوا في حجور فضله وكرمه واجتاحهم من لم يحسن لهم النظر واستباحهم بأيدي من أضر لما أصر وطالما شهدوا المواقف ففجروها واصطلوا المخاوف وتولجوها وقارعوا الكفار مسارعين للأعنة مقدمين مع الأسنة مجردين إلى غايتين‏:‏ إما إلى النصر وإما إلى الجنة ودبروا الويلات فسددوا وتقلدوا الأعمال فيما تقلدوا واعتمد أحمرهم وأسودهم وأقربهم وأبعدهم وفارسهم وراجلهم ورامحهم ونابلهم بتوفير الإقطاع وإدرار النفقات وتصفية موارد العيش المونقات وأحسن لهم السياسة التي تجعل أيديهم على الطاعة متفقة وعزائمهم في مناضلة أعداء الدين مستبقة وأجرهم على العادات في تقليد الويلات واستكفهم لما هم أهله من مهمات التصرفات وميز أكابرهم تمييز الناظر بالحقائق واستنهضهم في الجهاد فهذا المضمار وأنت السابق وقم في الله تعالى أنت ومن معك فقد رفعت الموانع والعوائق‏:‏ ليقذف الله بالحق الذي نصره على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق‏.‏

والشرع الشريف فأنت كافل قضاته وهادي دعاته وهو منار الله تعالى الأرفع ويده التي تمنع الظلم وتدفع فقم في حفظ نظامه وتنفيذ أحكامه وإقامة حدوده وإمضاء عقوده وتشييد أساس الدعوة وبنائها وتمييز آخذي عهودها وأنبائها قيام من يعول في الأمانة على أهل الديانة ويستمسك بحقوق الله تعالى بالرعاية والصيانة‏.‏

والأموال فهي سلاح العظائم ومواد العزائم وعتاد المكارم وعماد المحارب والمسالم و أمير المؤمنين يؤمل أن تعود بنظرك عهود النضارة وأن يكون عدلك في البلاد وكيل العمارة‏.‏

والرعايا فقد علمت ما نالهم من إجحاف الجبايات وإسراف الجنايات وتوالى عليهم من ضروب النكايات فاعمر أوطانهم التي أخربها الجور والأذى وانف عن مواردهم الكدر والقذى وأحسن وديعة الله تعالى منهم وخفف الوطأة ما استطعت عنهم وبدلهم من بعد خوفهم أمنا وكف من يعترض في عرض هذا الأدنى‏.‏

والجهاد فهو سلطان الله تعالى على أهل العناد وسطوة الله تعالى التي يمضيها في شر العباد على يد خير العباد ولك من الغناء فيه مصراً وشاماً وثبات الجأش كراً وإقداماً والمصارف التي ضربت فكنت ضارب كماتها والمواقف التي اشتدت فكنت فارج هبواتها والتدريب الذي أطلق جدك والتجريب الذي أورى زندك ما يغني عن تجديد الوصايا البسيطة وتأكيد القضايا المحيطة وما زلت تأخذ بالكفار من اليمين وتعظم فتوحك في بلاد الشمال فكيف تكون في بلاد اليمين فاطلب أعداء الله براً وبحراً وأجلب عليهم سهلاً ووعراً وقسم بينهم الفتكات قتلاً وأسراً وغارةً وحصراً قال الله تعالى في كتابه المكنون‏:‏ ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظةً واعلموا أن الله مع المتقين ‏"‏‏.‏

وتوفيق الله تعالى يفتح لك أبواب التدبير وخبرتك تدلك على مراشد الأمر‏:‏ ‏"‏ ولا ينبئك مثل خبير ‏"‏ فأنت تبتدع من المحاسن ما لا تحيط به الوصايا وتخترع من الميامن ما يتعرف بركاته الأولياء والرعايا و الله سبحانه وتعالى يحقق لأمير المؤمنين فيك أفضل المخايل ويفتح على يديك مستغلق البلاد والمعاقل ويصيب بسهامك من الأعداء النحور والمقاتل ويأخذ للإسلام بك ماله عند الشرك من الثارات والطوائل ولا يضيع عمل عامل ويجري الأرزاق والآجال بين سيبك الفاضل وحكمه إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته‏.‏

وعلى نحو منه كتب القاضي الفاضل أيضاً عهد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بالوزارة عن العاضد أيضاً وهذه نسخته أيضاً‏:‏ من عبد الله ووليه عبد الله أبي محمد الإمام العاضد لدين الله أمير المؤمنين إلى السيد الأجل على نحو ما تقدم في تقليد عمه أسد الدين شيركوه‏.‏

أما بعد فالحمد لله مصرف الأقدار ومشرف الأقدار ومحصي الأعمال والأعمار ومبتلي الأخيار والأبرار وعالم سر الليل وجهر النهار وجاعل دولة أمير المؤمنين فلكاً تتعاقب فيه أحوال الأقمار‏:‏ بين انقضاء سرارٍ واستقبال إبدار وروضاً إذا هوت فيه الدوحات أينعت الفروع سابقة النوار باسقة الثمار ومنجد دعوته بالفروع الشاهدة بفضل أصولها والجواهر المستخرجة من أمضى نصولها والقائم بنصرة دولته فلا تزال حيث يرث الله الأرض ومن عليها قائمةً على أصولها‏.‏

والحمد لله الذي اختار لأمير المؤمنين ودله على مكان الاختيار وأغناه باقتضاب الإلهام عن روية الاختبار وعضد به الدين الذي ارتضاه وعضد بمن ارتضاه وأنجز له من وعد السعد ما قضاه فبل أن اقتضاه ورفع محله عن الخلق فكلهم من مضافٍ إليه غير مضاه وجعل ملكته عريناً لاعتزازها بالأسد وشبله ونعمته ميراثاً أولى بها ذوي الأرحام من بني الولاء وأهله وأظهر في هذه القضية ما أظهره في كل القضايا من فضل أمير المؤمنين وعدله فأولياؤه كالآيات التي تتسق دراري أفقها المنير وتنتسق درر عقدها النظيم الدرير‏:‏ ‏"‏ ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ‏"‏‏.‏

والحمد لله الذي أتم بأمير المؤمنين نعمة الإرشاد وجعله أولى من للخلق ساد وللحق شاد وآثره بالمقام الذي لا ينبغي إلا في عصره وأظهر له من معجزات نصره ما لا يستقل العدد بحصره وجمع لمن والاه بين رفع قدره ووضع إصره وجعل الإمامة محفوظةً في عقبه والمعقبات تحفظه بأمره وأودعه الحكم التي رآه لها أحوط من أودعه وأطلع من أنوار وجهه الفجر الذي جهل من ظن غير نوره مطلعه وآتاه ما لم يؤت أحداً وأمات به غياً وأحيا رشداً وأقامه للدين عاضداً فأصبح به معتضداً وحفظ به مقام جده وإن رغم المستكبرون وأنعم به على أمته أماناً لولاه ما كانوا ينظرون ولا يبصرون و ‏"‏ ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ‏"‏‏.‏

يحمده أمير المؤمنين على ما آتاه من توفيقٍ يذلل له الصعب الجامح ويدني منه البعيد النازح ويخلف على الدين من صلاحه الخلف الصالح ويلزم آراءه جدد السعود الواضح ويريه آيات الإرشاد فإنه نازح قدح القادح ويسأله أن يصلي على جده محمدٍ الذي أنجى أهل الإيمان ببعثه وطهر بيديه من رجس الكفر وخبثه وأجار باتباعه من عنت الشيطان وعبثه وأوضح جادة التوحيد لكل مشرك الاعتقاد مثلثه وعلى أبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي جادلت يده بلسان ذي الفقار وقسم ولائه وعداوته بين الأتقياء والأشقياء الجنة والنار وعلى الأئمة من ذريتها الذي أذل الله بعزتهم أهل الإلحاد وأصفى بما سفكوه من دمائهم موارد الرشاد وجرت أيديهم وألسنتهم بأقوات القلوب وأرزاق العباد وسلم ومجد ووالى وجدد‏.‏

وإن الله سبحانه ما أخلى قط دولة أمير المؤمنين التي هي مهبط الهدى ومحط الندى ومورد الحياة للولي والردى للعدا من لطف يتلافى الحادثة ويشبعها ويرأبها ونعمة تبلغ بها النفوس أربها وموهبة تشد موضع الكلم وتسد موضع الثلم وتجلي غمائم الغمم وتحلي مغانم النعم وتستوفي شرائط المناجح وتستدني فوارط المصالح ولم يكن ينسى الحادثة في السيد الأجل الملك المنصور رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة متقلبه ومثواه التي كادت لها أواخي الملك تتزعزع ومباني التدبير تتضعضع إلا ما نظر فيه أمير المؤمنين بنور الله من اصطفائك أيها السيد الجل الملك الناصر‏:‏ أدام الله قدرتك لأن تقوم بخدمته بعده وتسد في تقدمة جيوشه مسده وتقفو في ولائه أثره ولا تفقد منه إلا أثره فوازت الفادحة فيه النعمة فيك حتى تستوفي حظه من أمير المؤمنين بأجر لا يضيع الله فيه عمله فاستوجب مقعد صدق بما اعتقده من تأدية الأمانة له وحمله واستحق أن ينضر الله وجهه بما أخلقه الله من جسمه في مواقف الجهاد وبدله ومضى في ذمام رضا أمير المؤمنين‏:‏ وهو الذمام الذي لا يقطع الله منه ما أمره أن يصله واتبع من دعائه بتحف أول ما تلقاه بالروح والريحان وذخرت له من شفاعته ما عليه معول أهل الإيمان في الأمان فرعى الله قطعه البيداء إلى أمير المؤمنين وتجشمه الأسفار ووطأه المواطيء التي تغيظ الكفار وطلوعه على أبواب أمير المؤمنين طلوع أنوار النهار وهجرته التي جمعت له أجرين‏:‏ أجر المهاجرين وأجر الأنصار وشكر له ذلك المسعى الذي بلغ من الشرك الثار وبلغ الإسلام الإيثار وما لقي ربه حتى تعرض للشهادة بين مختلف الصفاح ومشتجر الرماح ومفترق الأجسام من الأرواح وكانت مشاهدته لأمير المؤمنين أجراً فوق الشهادة ومنةً لله تعالى عليه له لها ما للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وحتى رآك أيها السيد الأجل الملك الناصر أدام الله قدرتك قد أقررت ناظره وأرغمت مناظره وشددت سلطانه وسددت مكانه ورمى بك فأصاب وسقى بك فصاب وجمعت ما فيه من أبهة المشيب إلى ما فيك من مضاء الشباب ولقنت ما أفادته التجارب جملة وأعانتك المحاسن التي هي فيك جلة وقلب عليك إسناد الفتكات فتقلبت وأوضح لك مناهج البركات فتقبلت وسددك سهماً وجردك شهماً وانتضاك فارتضاك غرباً وآثرك على آثر ولده إمامةً في التدبير وحرباً وكنت في السلم لسانه الآخذ بمجامع القلوب وفي الحرب سنانه النافذ في مضيق الخطوب وساقته إذا طلب وقلب جيشه إذا ثبت وجناحه إذا وثب ولا عذر لشبل نشأ في حجر أسد ولا لهلالٍ استملى النور من شمسٍ واستمد‏.‏

هذا ولم يكن لك على هذا الإسناد في هذا الحديث وهذا المسند الجامع من قديم الفخر وحديث وهذا المسند الجامع من قديم الفخر وحديث لأغنتك غريزةٌ عزيزة وسجية سجية وشيمةٌ وسيمة وخلائق فيها ما تحب الخلائق ونحائز مثلها حائز ومحاسن ماؤها غير آسن ومآثر جد غير عاثر ومخافر غفل منها الأول ليستأثر بها الآخر وبراعة لسان ينسجم قطارها وشجاعة جنان تضطرم نارها وخلالٌ جلال عليك شواهد أنوارها تتوضح ومساعي مساعد لديك كمائم نورها تتفتح فكيف وقد جمعت لك في المجد بين نفس وأبً وعم ووجب أن أسألك من اصطفاء أمير المؤمنين ماذا حصل ثم على الخلق عم فيومك واسطةٌ في المجد بين غدك وأمسك وكل نادٍ من أندية الفخار لك أن تقول فيه وعلى غيرك أن يمسك فبشراك أن أنعم أمير المؤمنين موصولةٌ منكم بوالدٍ وولد وان شمس ملكه كالشمس أقوى ما كانت في بيت الأسد‏.‏

ولما رأى الله تقلب وجه أمير المؤمنين في سمائه ولاه من اختيارك قبلة وقامت حجته عند الله باستكفائك وزيراً له ووزراً للملة فناجته مراشد الإلهام وأضاءت له مقاصد لا تعقلها كل الأفهام وعزم له على أن قلدك تدبير مملكته الذي اعرقت في إرثه وأغرقت في كسبه ومهد لك أبعد غايةٍ في الفخر بما يسر لك من قربه ولقد سبق أمير المؤمنين إلى اختيارك قبل قول لسانه بضمير قلبه وذكر فيك قول ربه‏:‏ ‏"‏ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ‏"‏‏.‏

وقلدك لأنك سيف من سيوف الله تعالى يحق به التقلد وله التقليد واصطفاك على علم بأنك واحدٌ منتظم في معنى العديد وأحيا في سلطان جيوشه سنة جده الإمام المستنصر بالله في أمير جيوشه الأول وأقامك بعده كما أقام ولده وإنه ليرجو أن تكون افضل من الأفضل وخرج أمره إليك بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجل لك بتقليدك وزارته التي أحلك ربوتها وأحل لك صهوتها وحلاك نعمتها ولك نغمتها فتقلد وزارة أمير المؤمنين من رتبتها التي تناهت في الإنافة إلى أن لا رتبة فوقها إلا ما جعله الله تعالى للخلافة وتبؤ منها صدراً لا تطلع إليه عيون الصدور واعتقل منها في درجةٍ على مثلها تدور البدور‏:‏ ‏"‏ واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ‏"‏‏:‏ وقل‏:‏ ‏"‏ الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ‏"‏‏.‏

وباشر مستبشراً واستوطن متديراً وابسط يدك فقد فوض إليك أمير المؤمنين بسطاً وقبضاً وارفع ناظرك فقد أباح لك رفعاً وخفضاً واثبت على درجات السعادة فقد جعل لحكمك تثبيتاً ودحضاً واعقد حبى العزمات للمصالح فقد أطلق بأمرك عقداً ونقضاً وانفذ فيما أهلك له فقد أدى بك نافلة من السياسة وفرضاً وصرف أمور المملكة فإليك الصرف والتصريف وثقف أود الأيام فعليك أمانة التهذيب والتثقيف واسحب ذيول الفخار حيث لاتصل التيجان واملأ لحظاً من نور الله تعالى حيث تتقي الأبصار لجين الأجفان إن هذا لهو الفضل المبين فارتبطه بالتقوى التي هي عروة النجاة وذخيرة الحياة والممات وصفوة ما تلقى آدم من ربه من الكلمات وخير ما قدمته النفوس لغدها في أمسها وجادلت به يوم تجادل كل نفسٍ عن نفسها قال الله سبحانه ومن أصدق من الله قيلا‏:‏ ‏"‏ والآخرة خيرٌ لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا ‏"‏‏.‏

واستتم بالعدل نعم الله عليك وأحسن كما أحسن الله إليك وأمر بالمعروف فإنك من أهله وانه عن المنكر كما كنت تنزهت عن فعله‏.‏

وأولياء أمير المؤمنين وأنصاره الميامين ومن يحف بمقام ملكه من الأمراء المطوقين والأعيان المعصبين والأماثل والأجناد أجمعين فهم أولياؤه حقاً ومماليكه رقاً والذين تبوءوا الدار والإيمان سبقاً وأنصاره غرباً كما أن عسكرك أنصاره شرقاً فهم وهم يدٌ في الطاعة على من ناواهم يسعى بذمتهم أدناهم وتحكم فيهم وأنت عند أمير المؤمنين أعلاهم‏.‏

هذا وقد كان السيد الأجل الملك المنصور رضي الله عنه استمطر لهم من إنعام أمير المؤمنين المسامحة بعلقهم وواسى في هذه المنقبة التي استحق بها حسن الذكر بين طوائفهم وفرقهم فصنهم من جائحات الاعتراض وابذل لهم صالحات الأغراض وارفع دونهم الحجاب ويسر لهم الأسباب واستوف منهم عند الحضور إليك غايات الخطاب وصرفهم في بلاد أمير المؤمنين ولاةً حماة كما تصرفهم في أوقات الحرب لماةً وكماة وعرفهم بركة سلطانك واقتد بقلوبهم بزمام إحسانك‏.‏

وأما القضاة الدعاة فهم بين كفالتك وهديك والتصريف على أمرك ونهيك فاستعمل منهم من أحسن عملاً فأما بالعنايات فلا‏.‏

والجهاد فأنت راضع دره وناشئه حجره وظهور الخيل مواطنك وظلال الجبل مساكنك وفي ظلمات مشاكله تجلى محاسنك وفي أعقاب نوازله تتلى ميامينك فشمر له عن ساقٍ من القنا وخض فيه بحراً من الظبا واحلل فيه عقدة كلمات الله سبحانه وثيقات الحبى وأسل الوهاد بدماء العدا وارفع برؤوسهم الربا حتى يأتي الله بالفتح الذي يرجو أمير المؤمنين أن يكون مذخوراً لأيامك ومشهوداً به يوم مقامك بين يديه من لسان إمامك‏.‏

والأموال فهي زبدة حلب اللطف لا العنف وجمةٌ يمتريها الرفق لا العسف وما برحت أجد ذخائر الدول للصفوف واحد أسلحتها التي تمضي وقد تنبو السيوف فقدم للبلاد الاستعمار تقدم لك للاستثمار وقطرةٌ من عدل تذخر بها من مالٍ بحار‏.‏

والرعايا فهم ودائع الله لأمير المؤمنين وودائعه لديك فاقبض عنهم الأيدي وابسط بالعدل فيهم يديك وكن بهم رؤوفاً وعليهم عطوفاً واجعل الضعيف منهم في الحق قوياً والقوي في الباطل ضعيفاً ووكل برعايتهم ناظر اجتهادك واجعل ألسنتهم بالدعاء من سلاحك وقلوبهم بالمحبة من أجنادك ولو جاز أن يستغني عن الوصية قائمٌ بأمر أو جالسٌ في صدر لاستغنيت عنها بفطنتك الزكية وفطرتك الذكية ولكنها من أمير المؤمنين ذكرى لك وأنت من المؤمنين وعرابة بركةٍ فتلق رايتها باليمين و الله تعالى يؤيدك أيها السيد الأجل أدام الله قدرتك بالنصر العزيز ويقضي لدولة أمير المؤمنين على يديك بالفتح الوجيز ولأهلها في نظرك بالأمر الحريز ويمتع دست الملك بحلى مجدك الإبريز ويقر عيون الأعيان بما يظهر لك في ميدان السعادة من السبق والتبريز ويمليك من نحلة أنعم أمير المؤمنين بما ملكك إياه ملك التحويز ويلق بك في المجد أولك ويحمد فيك العواقب ولك فاعلم ذلك من أمر أمير المؤمنين ورسمه واعمل بموجبه وحكمه إن شاء الله تعالى‏.‏

المذهب الثالث أن يفتتح العهد بخطبة وهو ما حكاه في التعريف عن الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان فيما كتب به للظاهر بيبرس وذكر أن لقمان ليس بحجة‏.‏

ثم قال‏:‏ على ان الفاضل محيي الدين بن عبد الظاهر قد تبعه فيما كتب به للمنصور قلاوون‏.‏

قلت‏:‏ ليس ابن لقمان هو المبتكر لهذا المذهب بل كان موجوداً معمولاً به‏.‏

استعمله كتاب الإنشاء بديوان الخلافة ببغداد قبل ذلك بزمنٍ طويل وهو منبع الكتابة الذي يصدر عنه الترتيب وقاعدتها التي يبنى عليها المصطلح‏.‏

وعليه كتب عهد العادل أبي بكر بن أيوب أخي السلطان صلاح الدين يوسف من بغداد‏.‏

وإليه مال ابن الأثير في المثل السائر‏.‏

وذكر أن الافتتاح هذا ما عهد قد ابتذل بكثرة الاستعمال وابن لقمان تابعٌ لا متبوع‏.‏

على أن إنشائه يدل على تقدمه في الكتابة وهو إن كان ليس بحجة فابن الأثير حجةٌ بهذا الشأن يرجع إليه ويعمل بقوله ويؤيده حديث‏:‏ ‏"‏ كل أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم ‏"‏ ولذلك مال أهل العصر إلى اختياره والعمل عليه إلا أن فيه مخالفةً لما وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم وغيره من عهود الصحابة على ما تقدم ذكره‏.‏

وبكل حال فأهل هذا المذهب لا يخرجون فيه عن ضربين‏:‏ ضرب يعبرون عن الأوامر الواردة في العهد عن الخليفة بقوله‏:‏ أمره بكذا وأمره بكذا وهي طريقة المتقدمين منهم وعليها كتب عهد العادل أبي بكر المشار إليه‏.‏

وضربٍ يعبرون بقولهم أن يفعل كذا وكذا وما يجري هذا المجرى ز وهذه نسخة العهد المكتوب به من ديوان الخلافة ببغداد على هذه الطريقة للعادل أبي بكر بن أيوب أخي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وهي‏:‏ الحمد لله الذي اطمأنت القلوب بذكره ووجب على الخلائق جزيل حمده وشكره ووسعت كل شيءٍ رحتمه وظهرت في كل أمرٍ حكمته ودل على وحدانيته بعجائب ما أحكمه صنعاً وتدبيراً وخلق كل شيء فقدره تقديراً ممد الشاكرين بنعمه التي لا تحصى عدداً وعالم الغيب الذي لا يظهر على غيبه أحداً لا معقب لأحكامه في الإبرام والنقض ولا يؤوده حفظ السماوات والأرض تعالى أن يحيط بحكمه الضمير وجل أن يبلغ وصفه البيان والتفسير‏:‏ ‏"‏ ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير ‏"‏‏.‏

والحمد لله الذي أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق بشيراً ونذيراً ‏"‏ وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ‏"‏‏.‏

وابتعثه هادياً للخلق وأوضح به مناشد الرشد وسبل الحق واصطفاه من أشرف الأنساب وأعز القبائل واجتباه لإيضاح البراهين والدلائل وجعله لديه أعظم الشفعاء واقرب الوسائل فقذف صلى الله عليه وسلم بالحق على الباطل وحمل الناس بشريعته الهادية على المحجة البيضاء والسنن العادل حتى استقام اعوجاج كل زائغ ورجع إلى الحق كل حائد عنه ومائل وسجد لله كل شيءٍ تتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام الأفاضل صلاةً مستمرة بالغدوات والأصائل خصوصاً على عمه وصنو أبيه العباس بن عبد المطلب الذي اشتهرت مناقبه في المجامع والمحافل ودرت ببركة الاستسقاء به أخلاف السحب الهواطل وفاز من تنصيص الرسول على عقبه في الخلافة بما لم يفز به أحدٌ من الأوائل‏.‏

والحمد لله الذي حاز مواريث النبوة والإمامة ووفر جزيل الأقسام من الفضل والكرامة لعبده وخليفته ووارث نبييه ومحيي شريعته الذي أحله الله عز وجل من معارج الشرف والجلال في أرفع ذروة وأعلقه من حسن التوفيق الإلهي بأمتن عصمة وأوثق عروة واستخرجه من أشرف نجار وعنصر واختصه بأزكى منحة وأعظم مفخر ونصبه للمؤمنين علماً واختاره للمسلمين إماماً وحكماً وناط به أمر دينه الحنيف وجعله قائماً بالعدل والإنصاف بين القوي والضعيف إمام المسلمين وخليفة رب العالمين أبي جعفر المنصور المسنتصر بالله أمير المؤمنين ابن الإمام السعيد التقي أبي نصر محمد الظاهر بأمر الله ابن الإمام السعيد أبي محمد المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين وعلى آبائه الطاهرين الأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون ولقوا الله تعالى وهو عنهم راض ٍ وهم عنه راضون‏.‏

وبعد فبحسب ما أفاضه الله تعالى على أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه من خلافته في الأرض وفوضه إلى نظره المقدس في الأمور من الإبرام والنقض وما استخلصه له من حياطة بلاده وعباده ووكله إلى الشريف نظره ومقدس اجتهاده لا يزال صلوات الله عليه يكلأ العباد بعين الرعاية ويسلك بهم في المصالح العامة والخاصة مذاهب الرشد وسبل الهداية وينشر عليهم جناحي عدله وإحسانه وينعم لهم النظر في ارتياد الأمناء والصلحاء من خلصاء أكفائه وأعوانه متخيراً لاسترعاء من استحمد بمشكور المساعي وتعرف إليه في سياسة الرعايا بجميل الأسباب والدواعي وسلك في مفترض الطاعة الواجبة على الخلائق قصد السبيل وعلم منه حسن الاضطلاع في مصالح المسلمين بالعبء الثقيل والله عز وجل يؤيد آراء أمير المؤمنين صلوات الله عليه بالتأييد والتسديد ويمده أبداً من أقسام التوفيق الإلهي بالموفور والمزيد ويقرن عزائمه الشريفة باليمن والنجاح ويسني له فيما يأتي ويذر أسباب الخير والصلاح وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكل وإليه ينيب‏.‏

ولما وفق الله تعالى نصير الدين محمد بن سيف الدين أبي بكر بن أيوب من الطاعة المشهورة والخدم المشكورة والحظوة في جهاد أعداء الدين بالمساعي الصالحة والفوز من المراضي الشريفة الإمامية أجلها الله تعالى بالمغانم الجزيلة والصفقة الرابحة لما وصل فيه سالف شريف الاختصاص بآنفه وشفع تالده في تحصيل مأثور الاستخلاص بطارفه واستوجب بسلوكه في الطاعة المفروضة مزيد الإكرام والتفضيل وضرع في الإنعام عليه بمنشور شريف إماميٍ يسلك في اتباعه هداه والعمل بمراشد سواء السراط وقصد السبيل اقتضت الآراء الشريفة المقدسة زادها الله تعالى جلالاً متألق الأنوار وقدساً يتساوى في تعظيمه من هو مستخفٍ بالليل وساربٌ بالنهار الإيعاز بإجابته إلى ما وجه أمله إلى الإنافة فيه به إليه والجذب بضبعيه إلى ذروة الاجتباء الذي تظهر أشعة أنواره الباهرة عليه فقلده على خيرة الله تعالى الزعامة والغلات وأعمال الحرب والمعاون والأحداث والخراج والضياع والصدقات والجوالي وسائر وجوه الجبايات والعرض والعطاء والنفقة في الأولياء والمظالم والحسبة في بلاده وما يفتتحه وما يستولي عليه من بلاد الفرنج الملاحين وبلاد من تبرز إليه الأوامر الشريفة بقصده من الشاذين عن الإجماع المنعقد من المسلمين ومن يتعدى حدود الله تعالى بمخالفة من يصل من الأعمال الصالحات بولائه المفروض على الخلائق مقبولة وطاعته ضاعف الله جلاله بطاعته وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم موصولة حيث قال عز من قال‏:‏ ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ‏"‏‏.‏

واعتمد صلوات الله عليه وسلامه في ذلك على حسن نظره ومدد رعايته وألقى مقاليد التفويض إلى وفور اجتهاده وكمال سياسته وخصه من هذا الإنعام الجزيل بما يبقى له على تعاقب الدهر واستمراره ويخلد له على ممر الزمان حسن ذكره وجزيل فخاره وحباه بتقليد يوطد له قواعد الممالك ويفتح بإقليده رتاج الأبواب والمسالك ويفيد قاعدته في بلاده زيادة تقريرٍ وتمهيد ويطير به صيته في كل قريب وبعيد ووسمه بالملك الأجل السيد الكامل المجاهد المرابط نصير الدين ركن الإسلام أثير الأنام تاج الملوك والسلاطين قامع الكفرة والمشركين قاهر الخوارج والمتمردين غازي بك محمد بن أبي بكر بن أيوب معين أمير المؤمنين رعايةً لسوابق خدمه وخدم أسلافه وآبائه عن وفور اجتبائه وكمال ازدلافه وإنافةً من ذروة القرب إلى محلٍ كريم واختصاصاً له بالإحسان الذي لا يلقاه إلا منهو كما قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ ذو حظ عظيم ‏"‏ وثوقاً بصحة ديانته التي يسلك فيها سواء سبيله واستنامةً إلى أمانته في الخدمة التي ينصح فيها الله تعالى ولرسوله وركوناً إلى كون الإنعام عليه موضوعاً بحمد الله تعالى في أحسن موضع واقعاً به لديه في خير مستقر ومستودع‏.‏

و أمير المؤمنين صلوات الله عليه لا زالت الخيرة موصولةً بآرائه والتأييد الإلهي مقروناً بإنقاذه وإمضائه يستمد من الله عز وجل حسن الإعانة في اصطفائه الذي اقتضاه نظره الشريف واعتماده وأدى إليه ارتياده المقدس الإمامي واجتهاده وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل‏.‏

أمره بتقوى الله تعالى التي هي الجنة الواقية والنعمة الباقية والملجأ المنيع والعماد الرفيع والذخيرة النافعة في السر والنجوى والجذوة المقتبسة من قوله سبحانه‏:‏ ‏"‏ وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ‏"‏ وأن يدرع بشعارها في جميع الأقوال والأفعال ويهتدي بأنوارها في مشكلات الأمور والأحوال وأن يعمل بها سراً وجهراً ويشرح للقيام بحدودها الواجبة صدراً قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً ‏"‏‏.‏

وأمره بتلاوة كتاب لله متدبراً غوامض عجائبه سالكاً سبيل الرشاد والهداية في العمل به وان يجعله مثلاً يتبعه ويقتفيه ودليلاً يهتدي بمراشده الواضحة في أوامره ونواهيه فإنه الثقل الأعظم وسبب الله المحكم والنور الذي يهدي به إلى التي هي أقوم ضرب الله تعالى فيه لعباده جوامع الأمثال وبين لهم بهداه الرشد والضلال وفرق بدلائله الواضحة بين الحرام والحلال فقال عز من قائل‏:‏ ‏"‏ هذا بيانٌ للناس وهدىً وموعظةٌ للمتقين ‏"‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ‏"‏‏.‏

وأمره بالمحافظة على مفروض الصلوات والدخول فيها على أكمل هيئة من قوانين الخشوع والإخبات وأن يكون نظره في موضع سجوده من الأرض وان يمثل لنفسه في ذلك موقفه بين يدي الله تعالى يوم العرض قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ‏"‏‏.‏

وقال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ‏"‏‏.‏

وأن لا يشتغل بشاغل عن أداء فروضها الواجبة ولا يلهوا بسبٍ عن إقامة سننها الراتبة فإنها عماد الدين الذي نمت أعاليه ومهاد الشرع الذي تمت قواعده ومبانيه قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ‏"‏ وقال سبحانه‏:‏ ‏"‏ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ‏"‏‏.‏

وأمره أن يسعى إلى الصلوات الجمع والأعياد ويقوم في ذلك بما فرضه الله تعالى عليه وعلى العباد وأن يتوجه إلى الجوامع والمساجد متواضعاً ويبرز إلى المصليات الضاحية في الأعياد خاشعاً وأن يحافظ في تشييد قواعد الإسلام على الواجب والمندوب ويعظم باعتماد ذلك شعائر الله التي هي من تقوى القلوب وأن يشمل بوافر اهتمامه واعتنائه وكمال نظره وإرعائه بيوت الله التي هي محال البركات ومواطن العبادات والمساجد التي تأكد في تعظيمها وإجلالها حكمه والبيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وأن يرتب لها من الخدم من يتبتل لإزالة أدناسها ويتصدى لإذكاء مصابيحها في الظلام وإيناسها ويقوم لها بما تحتاج إليه من أساب الصلاح والعمارات ويحضر غليها ما يليق من الفرش والكسوات‏.‏

وأمره باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي أوضح جددها عليه السلام أودها وان يعتمد فيها على الأسانيد التي نقلها الثقات والأحاديث التي صحت بالطرق السليمة والروايات وأن يقتدي بما جاءت به من مكارم الخلاق التي ندب صلى الله عليه وسلم إلى التمسك بسببها ورغب أمته في الأخذ بها والعمل بأدبها قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم وأمره بمجالسة أهل العلم والدين وأولي الإخلاص في طاعة الله تعالى واليقين واستشارتهم في عوارض الشك والالتباس والعمل بآرائهم في التمثيل والقياس فإن الاستشارة عين الهداية وأمن من الضلالة والغواية وبها تلقح عقم الأفهام والألباب ويقتدح زناد الرشد والصواب قال الله تعالى في الإرشاد إلى فضلها والأمر في التمسك بحبلها‏:‏ ‏"‏ وشاورهم في الأمر ‏"‏‏.‏

وأمره بمراعاة أحوال الجند والعسكر في ثغوره وأن يشملهم بحسن نظره وجميل تدبيره مستصلحاً نياتهم بإدامة التلطف والتعهد مستوضحاً أحوالهم بمواصلة التفحص والتفقد وأن يسوسهم سياسةً تبعثهم على سلوك المنهج السليم ويهديهم في انتظامها واتساقها إلى السراط المستقيم ويحملهم على القيام بشرائط الخدم والتمسك منها بأقوى الأسباب وأمتن العصم ويدعوهم إلى مصلحة التواصل والائتلاف ويصدهم عن موجبات التخاذل والاختلاف وأن يعتمد فيهم شرائط الحزم في الإعطاء والمنع وما تقتضيه مصلحة أحوالهم من أسباب الخفض والرفع وان يثبت المحسن على إحسانه ويسبل على المسيء ما وسعه العفو واحتمله المر ذيل صفحه وامتنانه وأن يأخذ برأي ذوي التجارب منهم والحنكة ويجتني بمشاورتهم ثمر الشركة إذ في ذلك أمنٌ من خطإ الانفراد وتزحزح عن مقام الزيغ والاستبداد‏.‏

وأمره بالتبتل لما يليه من البلاد ويتصل بنواحيه من ثغور أولي الشرك والعناد وأن يصرف مجامع الالتفات إليها ويخصها بوفور الاهتمام بها والتطلع عليها وأن يشمل ما ببلاده من الحصون والمعاقل بالإحكام والإتقان وينتهي في أسباب مصالحها إلى غاية الوسع ونهاية الإمكان وأن يشحنها بالميرة الكثيرة والذخائر ويمدها من الأسلحة والآلات بالعدد المستصلح الوافر وأن يتخير لحراستها من يختاره من الأمناء التقاة ولسدها من ينتخبه من الشجعان الكماة وأن يؤكد عليهم في استعمال أسباب الحفظة والاستظهار ويوقظهم للاحتراس من غوائل الغفلة والاغترار وان يكون المشار إليهم ممن ربوا في ممارسة الحروب على مكافحة الشدائد وتدربوا في نصب الحبائل للمشركين والأخذ عليهم بالمراصد وأن يعتمد هذا القبيل بمواصلة المدد وكثرة العدد والتوسع في النفقة والعطاء والعمل معهم بما يقتضيه حالهم وتفاوتهم في التقصير والغناء إذ في ذلك حسمٌ لمادة الأطماع في بلاد الإسلام وردٌ لكيد المعاندين من عبدة الأصنام فمعلومٌ أن هذا الغرض أولى ما وجهت غلي العنايات وصرفت وأحق ما قصرت عليه الهمم ووقفت فإن الله تعالى جعله من أهم الفروض التي كرم فيها القيام بحقه وأكبر الواجبات التي كتب العمل بها على خلقه فقال سبحانه وتعالى هادياً في ذلك إلى سبيل الرشاد ومحرضاً لعباده على قيامهم بفروض الجهاد‏:‏ ‏"‏ ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأٌ ولا نصبٌ ولا مخمصةٌ في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوٍ نيلاً إلا كتب لهم به عملٌ صالحٌ إن الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون نفقةً صغيرةً ولا كبيرةً ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ‏"‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ فاقتلوهم حيث ثقفتموهم ‏"‏‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من نزل منزلاً يخيف فيه المشركين ويخيفونه كان له كأحر ساجدٍ لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة وأجر قائمٍ لا يقعد إلى يوم القيامة وأجر صائم لا يفطر ‏"‏‏.‏

وقال عليه السلام‏:‏ ‏"‏ غدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ مما طلعت عليه الشمس ‏"‏‏.‏

هذا قوله صلى الله عليه وسلم في الحق من سمع هذه المقالة فوقف لديها فكيف بمن كان كما قال عليه السلام‏:‏ ‏"‏ ألا أخبركم بخير الناس‏:‏ ممسكٌ بعنان فرسه كلما سمع هيعةً طار إليها ‏"‏‏.‏

وأمره باقتفاء أوامر الله تعالى في رعاياه والاهتداء إلى رعاية العدل والإنصاف والإحسان بمراشده الواضحة ووصاياه وأن يسلك في السياسة سبل الصلاح ويشملهم بلين الكنف وخفض الجناح ويمد ظل رعايته على مسلمهم ومعاهدهم ويزحزح الأقذاء والشوائب عن مناهلهم في العدل ومواردهم وينظر في مصالحهم نظراً يساوي فيه بين الضعيف والقوي ويقوم بأودهم قياماً يهتدي به ويهديهم فيه إلى الصراط السوي قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ‏"‏‏.‏

وأمره باعتبار أسباب الاستظهار والأمنة واستقصاء الطاعة المستطاعة والقدرة الممكنة في المساعدة على قضاء تفث حجاج بيت الله الحرام وزوار نبيه عليه افضل الصلاة والسلام وأن يمدهم بالإعانة في ذلك على تحقيق الرجاء وبلوغ المرام ويحرسهم من التخطف والأذى في حالتي الظعن والمقام فإن الحج أحد أركان الدين المشيدة وفروضه الواجبة المؤكدة قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولله على الناس حج البيت ‏"‏‏.‏

وأمره بتقوية أيدي العاملين بحكم الشرع في الرعايا وتنفيذ ما يصدر عنهم من الأحكام والقضايا والعمل بأقوالهم فيما يثبت لذوي الاستحقاق والشد على أيديهم فيما يرونه من المنع والإطلاق وأنه متى تأخر أحد الخصمين عن إجابة داعي الحكم أو تقاعس في ذلك لما يلزم من الأداء والعدم جذبه بعنان القسر إلى مجلس الشرع واضطره بقوة الإنصاف غلى الأداء بعد المنع وأن يتوخى عمال الوقوف التي تقرب المتقربون بها واستمسكوا في ثواب الله بمتين حبلها وأن يمدهم بجميل المعاونة والمساعدة وحسن الموازرة والمعاضدة في الأسباب التي تؤذن بالعمارة والاستنماء وتعود عليها بالمصلحة والاستخلاص والاستيفاء قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ وتعاونوا على البر والتقوى ‏"‏‏.‏

وأمره أن يتخير من أولى الكفاءة والنزاهة من يستخلصه للخدم والأعمال والقيام بالواجب‏:‏ من أداء الأمانة والحراسة والتمييز لبيت المال وأن يكونوا من ذوي الاضطلاع بشرائط الخدم المعنية وأمورها والمتدين إلى مسالك صلاحها وتدبيرها وأن يتقدم إليهم بأخذ الحقوق من وجوهها المتيقنة وجبايتها في أوقاتها المعينة إذ ذاك من مصالح الجند ووفورالاستظهار وموجبات قوة الشوكة بكثير الأعوان والأنصار وأسباب الحفظة التي تحمى بها البلاد والأمصار ويأمرهم بالجري في الطسوق والشروط على النمط المعتاد والقيام في مصالح الأعمال على أقدام الجد والاجتهاد و إلى العاملين على الصدقات بأخذ الزكوات على مشروع السنن المهيع وقصد الصراط المتبع من غير عدول من ذلك عن المنهاج الشرعي أو تساهل في تبديل حكمها المفروض وقانونها المرعي فإذا أخذت من أربابها الذين يطهرون ويزكون بها كان العمل في صرفها إلى مستحقها بحكم الشريعة النبوية وموجبها وإلى جباة الجزية من أهل الذمة بالمطالبة بأدائها في أول سنة واستفيائها منهم على حسب أحوالهم بحكم العادة في الثروة والمسكنة وإجراءً في ذلك على حكم الاستمرار والانتظام ومحافظةً على عظيم شعائر الإسلام‏.‏

وأمره أن يتطلع على أحوال كل من يستعمله في أمر من الأمور ويصرفه في مصلحةٍ من مصالح الجمهور تطلهاً يقتضي الوقوف على حقائق أمانتهم وموجب تهذيبهم من حركاتهم وسكناتهم ذهاباً من النصح لله تعالى في بريته وعملاً فيه بقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ وأمره أن يستصلح من ذوي الاضطلاع والغناء من يترتب العرض والعطاء والنفقة في الأولياء وأن يكونوا من المشهورين بالحزم والبصيرة والموسومين في المناصحة بإخلاص الطوية وإصفاء السريرة حالين من الأمانة والصون بما يزين ناكبين عن مظان الشبه والطمع الذي يصم ويشين وأن يأمرهم باتباع عادات أمثالهم في ضبط أسماء الرجال وتحلية الأشخاص والأشكال واعتبار شيات الخيول وإثبات أعدادها وتحريض الجند على تخيرها واقتناء جيادها وبذل الجهد في قيامهم من الكراع واليزك والسلاح بما يلزمهم والعمل بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ‏"‏‏.‏

فإذا نطقت جرائد الجند المذكورين بما أثبت لديهم وحقق الاعتبار والعيان قيامهم بما وجب عليهم أطلقت لهم المعايش والأرزاق بحسب إقراراتهم وأوصلت إليهم بمقتضى واجباتهم واستحقاقاتهم‏:‏ فإن هذا الحال أصل حراسة البلاد والعباد وقيام الأمر بما أوجبه الله تعالى من الاستعداد بفرض الجهاد قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ‏"‏‏.‏

وأمره بتفويض أمر الحسبة إلى من يكون بأمرها مضطلعاً وللسنة النبوية في إقامة حدودها متبعاً فيعتمد في الكشف عن أحوال العامة في تصرفاتها الواجب ويسلك في التطلع إلى معاملاتهم السبيل الواضح والسنن اللاحب‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

في الأسواق لاعتبار المكاييل والموازين ويقيمه في مؤاخذة المطففين وتأديبهم بما تقتضي شريعة الدين ويحذرهم في تعدي حدود الإنصاف شدة نكاله ويقابل المستحق المؤاخذة بما يرتدع به الجمع الكثير من أمثاله قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ‏"‏‏.‏

وقال سبحانه‏:‏ ‏"‏ ويلٌ للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليومٍ عظيمٍ يوم يقوم الناس لرب العالمين ‏"‏‏.‏

فليتول الملك السيد الكامل المجاهد المرابط نصير الدين ركن الإسلام أثير الأنام جلال الدولة فخر الملة عز الأمة سند الخلافة تاج الملوك والسلاطين قامع الكفرة والمشركين قاهر الخوارج والمتمردين أمير المجاهدين غازي بك معين أمير المؤمنين ما قلده عبد الله وخليفته في أرضه القائم له بحقه الواجب وفرضه أبو جعفر المنصور المستنصر بالله أمير المؤمنين تقليد مطمئنٍ بالإيمان وينصح لله ولرسوله ولخليفته صلوات الله عليه في السر والإعلان وليشرح بما فوض إليه من هذه الأمور صدراً وليقم بالواجب عليه من شكر هذا الإنعام الجزيل سراً وجهراً وليعمل بهذه الوصايا الشريفة الإمامية وليقف آثار مراشدها المقدسة النبوية وليظهر من أثر الجد في هذا الأمر والاجتهاد وتحقيق النظر الجميل لله والإرشاد ما يكون دليلاً على تأييد الرأي الأشرف المقدس أجله الله تعالى في اصطناعه واستكفائه وإصابة مواقع النجح والرشد في التفويض إلى حسن قيامه وكمال اعتنائه فليقدر النعمة في هذه الحال حق قدرها وليمتر بأداء الواجب بما غلب عليه من جزيل شكر غزير درها وليطالع مع الأوقات بما يشكل عليه من الأمور الغوامض ولينه إلى العلوم الشريفة المقدسة أجلها الله تعالى ما يلتبس عليه من الشكوك والغوامض ليرد عليه من الأمثلة ما يوضح له وجه الصواب في الأمور ويستمد من المراشد الشريفة التي هي شفاءٌ لما في الصدور بما يكون ورده عليه وتتابعه إليه نوراً على نور إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة العهد الذي كتب به الصاحب فخر الدين‏:‏ إبراهيم بن لقمان للظاهر بيبرس التي أنكر عليه القاضي شهاب الدين بن فضل الله في التعريف ابتداءها بخطبة وهي‏:‏ الحمد لله الذي أضفى على الإسلام ملابس الشرف وأظهر درره وكانت خافيةً بما استحكم عليها من الصدف وشيد ما وهى من علائه حتى أنسى ذكر ما سلف وقيض لنصره ملوكاً اتفقت على طاعتهم من اختلف‏.‏

أحمده على نعمه التي رتعت الأعين منها في الروض الأنف وألطافه التي وقفت الشكر عليها فليس له عنها منصرف وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً توجب من المخاوف أمنا وتسهل من الأمور ما كان حزنا وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جبر من الدين وهنا وصفيه الذي أظهر من المكارم فنوناً لا فنا صلى الله عليه وعلى آله الذين أضحت مناقبهم لا تفنى وأصحابه الذين أحسنوا في الدين فاستحقوا الزيادة من الحسنى‏.‏

وبعد فإن أولى الأولياء بتقديم ذكره وأحقهم أن يصبح القلم ساجداً وراكعاً في تسطير مناقبه وبره من سعى فأضحى بسعيه الجميل متقدماً ودعا إلى طاعته فأجاب من كان منجداً ومتهماً وما بدت يدً من المكرمات إلا كان لها زنداً ومعصماً ولا استباح بسيفه حمى ووغىً إلا أضرمه ناراً وأجراه دماً‏.‏

ولما كانت هذه المناقب الشريفة مختصةً بالمقام العالي المولوي السلطاني الملكي الظاهري الركني شرفه الله تعالى وأعلاه ذكر الديوان العزيز النبوي الإمامي المستنصري أعز الله تعالى سلطانه تنويهاً بشريف قدره واعترافاً بصنعه الذي تنفد العبارة المسهبة ولا تقوم بشكره وكيف لا وقد أقام الدولة العباسية بعد أن أقعدتها زمانة الزمان وأذهبت ما كان لها من محاسن وإحسان واستعتب دهرها المسيء فأعتب وأرضى عنها زمانها وقد كان صال عليها صولة مغضب فأعاده لها سلماً بعد أن كان عليها حرباً وصرف اهتمامه فرجع كل متضايقٍ من أمورها واسعاً رحباً ومنح أمير المؤمنين عند القدوم عليه حنواً وعطفاً وأظهر له من الولاء رغبةً في ثواب الله ما لا يخفى وأبدى من الاهتمام بالبيعة أمراً لو رامه غيره لامتنع عليه ولو تمسك بحبله متمسكٌ لانقطع به قبل الوصول إليه لكن الله ادخر هذه الحسنة ليثقل بها في الميزان ثوابه ويخفف بها يوم القيامة حسابه والسعيد من خفف حسابه فهذه منقبةٌ أبى لله إلا أن يخلدها في صحيفة صنعه وتكرمةٌ قضت لهذا البيت الشريف بجمعه بعد أن حصل الإياس من جمعه و أمير المؤمنين يشكر لك هذه الصنائع ويعرف أنه لولا اهتمامك لاتسع الخرق على الراقع وقد قلدك الديار المصرية والبلاد الشامية والديار البكرية والحجازية واليمنية والفراتية وما يتجدد من الفتوحات غوراً ونجداً وفوض أمر جندها ورعاياها إليك حين أصبحت في المكارم فرداً ولم يجعل منها بلداً من البلاد ولا حصناً من الحصون مستثنى ولا جهةً من الجهات تعدي الأعلى ولا الأدنى‏.‏

فلاحظ أمور الأمة فقد أصبحت لها حاملاً وخلص نفسك من التبعات اليم ففي غدٍ تكون مسؤولاً لا سائلاً ودع الاغترار بالدنيا فما نال أحد منها طائلاً وما رآها أحدٌ بعين الحق إلا رآها خيالاً زائلاً فالسعيد من قطع آماله الموصولة وقدم لنفسه زاد التقوى فتقدمه غير التقوى مردودةٌ لا مقبولة وابسط يدك بالإحسان والعدل فقد أمر الله بالعدل والإحسان في مواضع من القرآن وكفر به عن المرء ذنوباً وآثاماً وجعل يوماً واحداً فيه كعبادة العابد ستين عاماً وما سلك أحدٌ سبيل العدل والإحسان إلا واجتنيت ثماره من أفنان وتراجع الأمر فيه بعد تداعي أركانه وهو مشيد الأركان وتحصن به من حوادث الزمان وكانت أيامه في الأيام أبهى من الأعياد وأحسن في العيون من الغرر في أوجه الجياد وأحلى من العقود إذا حلي بها عطل الأجياد‏.‏

وهذه الأقاليم المنوطة بك تحتاج إلى نوابٍ وحكام وأصحاب رأي من أصحاب السيوف والأقلام فإذا استعنت بأحد منهم في أمرك فنقب عليك تنقيباً واجعل عليه في تصرفاته رقيباً وسل عن أحوله ففي القيامة تكون عنه مسؤولاً وبما أجرم مطلوباً ولا تول منهم إلا من تكون مساعيه حسناتٍ لك لا ذنوباً وأمرهم بالأناة في الأمور والرفق ومخالفة الهوى إذا ظهرت أدلة الحق وأن يقابلوا الضعفاء في حوائجهم بالثغر الباسم والوجه الطلق وأن لا يعاملوا أحداً على الإحسان والإساءة إلا بما يستحق وأن يكونوا لمن تحت أيديهم من الرعية إخواناً وأن يوسعوهم براً وإحساناً وأن لا يستحلوا حرماتهم إذا استحل الزمان لهم حرماناً فالمسلم أخو المسلم ولو كان عليه أميراً وسلطاناً والسعيد من نسج ولايته في الخير على منواله واستسن بسنته في تصرفاته وأحواله وتحمل عنه ما تعجز قدرته عن حمل أثقاله‏.‏

ومما يؤمرون به أن يمحى ما أحدث من سيء السنن وجدد من المظالم التي هي من أعظم المحن وأن يشترى بإبطالها المحامد رخيصةً بأغلى ثمن ومهما جبي منها من الأموال فإنما هي باقيةٌ في الذمم حاصلة وأجياد الخزائن إن أضحت بها حاليةً فإنما هي على الحقيقة منها عاطلة وهل أشقى ممن احتقب إثماً واكتسب بالمساعي الذميمة ذماً وجعل السواد الأعظم له يوم القيامة خصماً وتحمل ظلم الناس فيما صدر عنه من أعماله ‏"‏ وقد خاب من حمل ظلماً ‏"‏‏.‏

وحقيق بالمقام الشريف المولوي السلطاني الملكي الظاهري الركني أن تكون ظلامات الأنام مردودة بعدله وطاعته تخفف ثقلاً لا طاقة لهم بحمله فقد أضحى على الإحسان قادراً وصنعت له الأيام ما لم تصنعه لمن تقدم من الملوك وإن جاء آخراً فالحمد لله على أن وصل إلى جنابك إمام هدىً يوجب لك مزية التقدم وينبه الخلائق على ما خصك الله به من الفضل العظيم وهذه أمور يجب أن تلاحظ وترعى ويوالي عليها حمد الله فإن الحمد يجب عليها عقلاً وشرعاً وقد تبين لك أنك صرت في الأمور أصلاً وصار غيرك فرعاً‏.‏

ومما يجب أيضاً تقديم ذكره أمر الجهاد الذي أضحى على الأمة فرضاً وهو العمل الذي يرجع به مسود الصحائف مبيضاً وقد وعد الله المجاهدين بالأجر العظيم والدوافع لهم عنده المقام الكريم وخصهم بالجنة التي لا لغو فيها ولا تأثيم وقد تقدمت لك في الجهاد يدٌ بيضاء أسرعت في سواد الحساد وعرفت منك عزمةً وهي أمضى مما تجنه ضمائر الأغماد واشتهرن لك مواقف في القتال وهي أشهر وأشهى إلى القلوب من الأعياد وبك صان الله حمى الإسلام أن يبتذل وبعزيمتك حفظ على المسلمين نظام هذه الدول وسيفك أثر في قلوب الكافرين قروحاً لا تندمل وبك يرجى أن يرجع مقر الخلافة إلى ما كان عليه في الأيام الأول فأيقظ لنصرة الإسلام جفناً ما كان غافياً ولا هاجعاً وكن في مجاهدة أعداء الله إماماً متبوعاً لا تابعاً وأيد كلمة التوحيد فما تجد في تأييدها إلا مطيعاً سامعاً ولا تخل الثغور من اهتمامٍ بأمرها تبسم له الثغور واحتفالٍ يبدل ما دجا من ظلماتها بالنور فهذه حصونٌ بها يحصل الانتفاع وعلى العدو داعية افتراق لا اجتماع وأولاها بالاهتمام ما كان البحر له مجاوراً والعدو إليه ملتفتاً ناظراً ولاسيما ثغور الديار المصرية فغن العدو وصل إليها رابحاً وراح خاسراً واستأصلهم الله فيها حتى ما أقال منهم عاثراً وكذلك الأسطول الذي ترى خيله كالأهلة وركائبه سابقةً بغير سائقٍ مستقلة وهو أخو الجيش السليماني فإن ذاك غدت الريح له حاملة وهذا تكفلت بحمله الرياح السابلة وإذا لحظها الطرف جاريةً في البحر كانت كالأعلام وإذا شبهها قال‏:‏ هذه ليالٍ تقلع بالأيام وقد سنى الله لك من السعادة كل مطلب وآتاك من أصالة الرأي الذي يريك المغيب وبسط بعد القبض منك الأمل ونشط بالسعادة ما كان من كسل وهداك إلى منهج الحق ومازلت مهتدياً إليها وألزمك المراشد فلا تحتاج إلى تنبيه عليها و الله تعالى يمد بأسباب نصره ويوزعك شكر نعمه فإن النعمة تستتم بشكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخته عهد كتب بها القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر للسلطان الملك المنصور قلاوون عن الخليفة الأمام أبي العباس أحمد الحاكم بأمر الله المتقدم ذكره على هذه الطريقة وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل آية السيف ناسخةً لكثيرٍ من الآيات وفاسخةً لعقود أولي الشك والشبهات الذي رفع بعض الخلق على بعضٍ درجات وأهل لأمور البلاد والعباد من جاءت خوارق تملكه بالذي إن لم يكن من المعجزات فمن الكرامات‏.‏

ثم الحمد لله الذي جعل الخلافة العباسية بعد القطوب حسنة الابتسام وبعد الشحوب جميلة الاتسام وبعد التشريد كل دار إسلام لها أعظم من دار السلام‏.‏

والحمد لله على أن أشهدها مصارع أعدائها وأحمد لها عواقب إعادة نصرها وإبدائها ورد تشتيتها بعد أن ظن كل أحد أن شعارها الأسود ما بقي منه إلا ما صانته العيون في جفونها والقلوب في سويدائها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يتلذذ بذكرها اللسان وتتعطر بنفحاتها الأفواه والأردان وتتلقاها ملائكة القبول فترفعها إلى أعلى مكان ونصلي على سيدنا محمدٍ الذي أكرمنا الله به وشرف لنا الأنساب وأعزنا به حتى نزل فينا محكم الكتاب صلى الله عليه وعلى آله الذين انجاب الدين منهم عن أنجاب ورضي الله عن صحابته الذين هم خير صحاب صلاةً ورضواناً يوفى قائلها أجره يوم الحساب من الكثرة بغير حساب يوم الحساب‏.‏

وبعد حمد الله على أن أحمد عواقب الأمور وأظهر للإسلام سلطاناً اشتدت به للأمة الظهور وشفيت الصدور وأقام الخلافة العباسية في هذا الزمن بالمنصور كما أقامها فيما مضى بالمنصور واختار لإعلان دولتها من يحيي معالمها بعد العفاء ورسومها بعد الدثور وجمع لها الآن ما كان جمح عليها فيما قبل من خلاف كل ناجم ومنحها ما كانت تبشر به صحف الملاحم وأنفذ كلمتها في ممالك الدولة العلوية بخير سيفٍ مشحوذٍ ماضي العزائم ومازج بين طاعتها في القلوب وذكرها في الألسنة وكيف لا والمنصور هو الحاكم وأخرج لحياطة الأمة المحمدية ملكاً تقسم البركات عن يمينه وتقسم السعادة بنور جبينه وتقهر الأعداء بفتكاته وتمهر عقائل المعاقل بأصغر راياته ذو السعد الذي ما زال نوره يشف حتى ظهر ومعجزه يرف إلى أن بهر وجوهره ينتقل من جيد إلى جيد حتى علا الجبين وسره يكمن في قلبٍ بعد قلبٍ حتى علم والحمد لله نبأ تمكينه في الأرض بعد حين فاختاره الله على علم واصطفاه من بين عباده بما جبله الله عليه من كرم وشجاعةٍ وحلم وأتى به الأمة المحمدية في وقت الاحتياج عوناً وفي إبان الاستمطار غيثاً وفي حين عيث الأشبال في غير الافتراس ليثاً فوجب على من له في أعناق الأمة المحمدية مبايعة رضوان وعند أيمانهم مصافحة أيمان ومن وجبت له البيعة باستحقاقه لميراث منصب النبوة ومن تصح به كل ولايةٍ شرعية يؤخذ كتابها منه بقوة ومن هو خليفة الزمان والعصر ومن بدعواته تنزل بالنصر عليكم معاشر الإسلام ملائكة النصر ومن نسبه بنسب نبيكم صلى الله عليه وسلم متشج وحسبه بحسبه ممتزج أن يفوض ما فوضه الله إليه من أمر الخلق إلى من يقوم عنه بفرض الجهاد والعمل بالحق وان يوليه ولايةً شرعية تصح بها الأحكام وتنضبط بها أمور الإسلام وتأتي هذه العصبة الإسلامية يوم تأتي كل أمة بإمامها من طاعة خليفتهم بخير إمام وخرج أمر مولانا أمير المؤمنين شرفه الله أن يكون للمقر العالي المولوي السلطاني الملكي المنصوري أجله الله ونصره وأظفره وأقدره وأبده وأيده كل ما فوضه الله لمولانا أمير المؤمنين من حكم في الوجود وفي التهائم والنجود وفي المدائن والخزائن وفي الظواهر والبواطن وفيما فتحه الله وفيما سيفتحه وفيما كان فسد بالكفر والرجاء من الله أنه سيصلحه وفي كل وجود ومن وفي كل عطاء ومن وفي كل هبة وتمليك وفي كل تفرد بالنظر في أمور المسلمين بغير شريك وفي كل تعاهد ونبذ وفي كل عطاء وأخذ وفي كل عزل و تولية وفي كل تسليم وتخلية وفي كل إرفاق وإنفاق وفي كل إنعام وإطلاق وفي كل استرقاق وإعتاق وفي كل تكثير وتقليل وفي كل اتساعٍ وتقتير وفي كل تجديد وتعويض وفي كل حمد وتقريض ولايةً عامةً تامة محكمة محكمة منضدة منظمة لا يتعقبها نسخٌ من خلفها ولا من بين يديها ولا يعتريها فسخٌ يطرأ عليها يزيدها مر الأيام جدة يعاقبها حسن شباب ولا ينتهي على الأعوام والأحقاب نعم ينتهي إلى ما نصبه الله للإرشاد من سنة وكتاب وذلك من شرع الله أقامه للهداية علماً وجعله إلى احتياز الثواب سلماً فالواجب أن يعمل بجزئيات أمره وكلياته وان لا يخرج أحدٌ عن مقدماته‏.‏

والعدل فهو الغرس المثمر والسحاب الممطر والروض المزهر وبه تتنزل البركات وتخلف الهبات وتربي الصدقات وبه عمارة الأرض وبه تؤدى السنة والفرض فمن زرع العدل اجتنى الخير ومن أحسن كفي الضرر والضير والظلم فعاقبته وخيمة وما يطول عمر الملك إلا بالمعدلة الرحيمة والرعية فهم الوديعة عند أولي الأمر فلا يخصص بحسن النظر منهم زيدٌ ولا عمرو والأموال فهي ذخائر العاقبة والمآل والواجب أن تؤخذ بحقها وتنفق في مستحقها والجهاد براً وبحراً فمن كنانة الله تفوق سهامه وتؤرخ أيامه وينتضى حسامه وتجري منشآته في البحر كالأعلام وتنشر أعلامه وفي عقر دار الحرب يحط ركابه ويخط كتابه وترسل أرسانه وتجوس خلالها فرسانه فليلزم منه ديدناً ويستصحب منه فعلاً حسناً وجيوش الإسلام وكماته وأمراؤه وحماته فهم من قد علمت قدم هجره وعظم نصره وشدة باس وقوة مراس وما منهم إلا من شهد الفتوحات والحروب وأحسن في المحاماة عن الدين الدؤوب وهم بقايا الدول‏.‏

وتحايا الملوك الأول لا سيما أولو السعي الناجح ومن لهم نسبةٌ صالحية إذا فخروا بها قيل لهم‏:‏ نعم السلف الصالح فأوسعم براً وكن بهم براً وهم بما يجب من خدمتك وأنت بما يجب من حرمتهم أدرى والثغور والحصون فهم ذخائر الشدة وخزائن العديد والعدة ومقاعد للقتال وكنائن الرجاء والرجال فأحسن لها التحصين وفض أمرها إلى كل قويٍ أمين و إلى كل ذي دينٍ متين وعقل رصين ونواب الممالك ونواب الأمصار فأحست لهم الاختيار وأجمل لهم الاختبار وتفقد لهم الأخبار‏.‏

وأما ما سوى ذلك فهو داخلٌ في حدود هذه الوصايا النافعة ولولا أن الله أمرنا بالتذكير لكانت سجايا المقر الأشرف السلطاني الملكي المنصوري مكتفيةً بأنوار ألمعيته الساطعة وزمام كل صلاح يجب أن يشغل به جميع أوقاته هو تقوى الله قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ‏"‏‏.‏

فليكن ذلك نصب العين وشغل القلب والشفتين وأعداء الدين من أرمن وفرنج وتتار فأذقهم وبال أمرهم في كل إيراد للغزو وإصدار وثر لأن تأخذ للخلفاء العباسيين ولجميع المسلمين منهم الثأر واعلم أن الله نصيرك على ظلمهم وما للظالمين من أنصار‏.‏

وأما غيرهم من مجاوريهم من المسلمين فأحسن باستنقاذك منهم العلاج وطبهم باستصلاحك فبالطب الملكي والمنصوري ينصلح المزاج والله الموفق بمنه وكرمه‏.‏

وعلى هذه الطريقة مشى المقر الأشرف الناصري محمد بن البارزي الحموي صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالديار المصرية وسائر الممالك الإسلامية‏:‏ جمل الله تعالى الوجود بوجوده وأناف بقدره على كيوان في ارتقائه وصعوده وجعله لسلطانه المؤيد ردءاً ما بدا سعد الملك صاعداً إلا كان له السعد سعوده‏.‏

فكتب على ذلك العهد السلطان الملك المؤيد أبي النصر شيخ خلد الله سلطانه عن الأمام المستعين بالله أبي الفضل العباس أمير المؤمنين خليفة العصر أيد الله تعالى به الدين في شعبان المكرم سنة خمس عشرة وثمانمائة بعد خلع الناصر فرج فأتى فيه بما أخجل الروض المنمنم والنجم الزاهر وأوجب على العارف بنقد الآمرين أن يقول‏:‏ كم ترك الأول للآخر عدد فيه وقائعه المشهورة وذكر مناقبه التي صارت على صفحات الأيام مرموقةً وعلى مر الليالي مذكورة وفي بطون التاريخ على توالي الجديدين وتعاقب الدهور مسطورة فكتب على ذلك الحمد لله الذي جعل الدين بنصره مؤيداً وانتضاه لمصالح الملك والدين فأصبح ومن مرهفات عزمه باديةٌ بائدة العدا وفتح على فقر الزمان بشيخ ملك زويت له عوارف العدل ومعارف الفضل فاستغنى ولله الحمد بسعيد السعدا وأصلح فساد الأحوال بأحكام رأيه وإحكام حكمهفأصبحت مأمونة الرداء آمنةً من الردى وامتن على أولياء الدولة الشريفة بمن لم يزل سهم تدبيره الشريف فيهم مسدداً ومياه الظفر جاريةً من قناة غوره الذي بذلك تعودا وبحر إحسانه الكامل وإن قدم العهد المديد مجدداً‏.‏

والحمد لله الذي جعل وجوه هذه الأيام بالأمن مسفرة وليالي جودها بالعدل مقمرة وعذبات أوليائها بالأفراح مزهرة وحدائق أخصائها بالنجاح مثمرة ومنازل أعدائها مقفرةً موحشة ونوازلهم مذعرةً مدهشة وأجسادهم بأمراض قلوبهم مشوشة وأكبادهم بلواعج زفراتهم معطشة‏.‏

والحمد لله الذي جعل هذه الأيام الفاضلة الجلال جليلة الفضل شاملة النظام ناظمة الشمل هاميةً بالمكرمات هائمةً بالعدل دانية القطوف معروفةً بالمعروف مغثية الملهوف مرهبةً للألوف متصرفةً في الآفاق صارفة الصروف حمداً يبهج النفوس ويزيل البوس ويديم السرور ويذهب المحذور و ‏"‏ الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ‏"‏‏.‏

نحمده على هذه النعم التي تفيأت الأمم بظلالها وبلغت بها النفوس غاية آمالها ورويت بعد ظمأ الخوف من حياض أمن زلالها واستسرت بعد الحزن بأفراح قبولها وإقبالها وارتفعت بعد انخفاضها رؤوس أبطالها وأقيالها‏.‏

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تديم النعماء وتجزل العطاء وتكشف الغماء ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي قرن طاعة أولي الأمر بطاعته وأيد من اهتدى منهم بهدايته وأهانه لما استعان بعنايته وأظله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله في دار كرامته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين انحازوا إلى حوزته واحتموا بحمايته وأثمر لهم غرس دينه فرعوه حق رعايته وشرف وكرم‏.‏

وبعد فلما كانت رحمة الله تعالى لغضبه سابقة ورأفته بعباده متلاحقة وكانت الممالك الشريفة قد اختلت أمورها وصار إلى الدثور معمورها وأشرف على البوار أميرها ومأمورها فالشرائع متغيرة شرائعها والعوائد مفقودةٌ مآثرها والمظالم قويٌ سلطانها كثيرٌ أعوانها ضعيفٌ مضاددها قليل معاندها فلا نائب سياسةٍ إلا مشغول بالنوائب ولا حاكم شرع إلا وقد سدت عليه المذاهب ولا تاجرٌ إلا وقد خسرت تجارته فما ربحت ولا ذو قارض إلا ورؤوس أمواله قد انقرضت ولا صاحب تراث إلا وقد محيت آية ميراثه ونسخت ولا ركن مملكةٍ إلا وقد انهدم أساسه ولا عضد دولة إلا وقد بطل إحساسه أقام سبحانه وتعالى لإزالة هذه النوازل الفادحة وإخماد نار هذه القبائح القادحة من توفرت الدواعي على استحقاقه السلطنة الشريفة وأجمعت الأمة على انحصار ذلك في أوصافه المنيفة ودلت أمائر السعود على محله الجليل وجنابه الذي إذا لاذ به من خاف الدهر رجع وطرف الدهر عنه كليل طالما اصطفى موارد العدل وأضفى أذيال الفضل وأمن الخائف وروع الحائف وأمضى في الجهاد عزمه وأنفذ في السرايا إليه حكمه وسدد إلى معاونه في غرض الكفار سهمه وفتح الطريق إلى بيت الله الحرام بعد الانسداد وأنعم على القانع والمعتر بالراحلة والزاد وعمر المساجد وجعلها آهلةً بالراكع والساجد وجلا عروس الأموي في حلل التهليل والتكبير وأعاد عود منبره الذابل وهو نضير هذا مع شجاعةٍ شاهدها وشهد بها أبطال الإسلام وسطوةٍ تخشاها الأسود في الآجام ووقارٍ يخضع بالهيبة رؤوس الأعلام وبشرٍ يطلع فجره من طالع جبهته ونورٍ ساطعٍ من جبهته وحياءٍ متطلع من طلعته وحباء متدفق من أنملته وكنت أيها الملك الجليل المؤيد لا زال شمل الدين بك مجموعاً وعلم الإسلام مرفوعاً وقلب أهل الشرك والنفاق مروعاً أنت المتصف بهذه الصفات الحميدة والكاشف لتلك الشدائد الشديدة فلم يرعك خطر الخطارة ولا انحلال أهل صرخد حيث اشتهرت عزائم صوارمك البتارة ولا خطرتك من القيسارية إلى الريدانية في أسرع من غفوة والشيخ لا تنكر له الخطوة ولا مشاهدة الحمام في الحمام ولا زاغ بصرك باللجون حين أظلم القتام حتى زال المانع وهجع الهاجع وأمنت الخطوب وفرجت الكروب وخلادست السلطنة ممن نكث الأيمان وأصر على الإثم والعدوان وأقررت اسم الخلافة على الانفراد ليستخير الله في الأصلح للعباد والبلاد‏.‏

هذا ورأي أهل الحل والعقد من ملوك الإسلام وأمرائه وقضاته وعلمائه ومشايخه وصلحائه وخاصته وعامته ورأي مولانا أمير المؤمنين أعز الله تعالى به الدين وجمع بيمن بركته شمل الإسلام والمسلمين مجمعٌ على تفويض أمر المسلمين وولاية عهدهم وكفالة السلطنة الشريفة والإمامة العظمى إليك خلد الله سلطانك وجعل الدهر خديمك والملائكة أعوانك فقدم أمير المؤمنين من الاستخارة أمام هذا التقليد ما يعتبر في السنة الشريفة ويقدم وعلم أن المصلحة فيما خاره الله وللأمة من ولايتك أيها الملك المبجل والسلطان الأعظم وأنك أبرأ للذمة وأبر بالأمة وشاهد بإجماع الأمة على سلطنتك من التآلف والاتفاق ما نفى الخلاف والشقاق وما سر الجمهور الطائعين من غير دافع والجم الغفير لبديع آرائك ورفيع راياتك مذعنين لحسن الاتباع وأهل الحل والعقد لأمرك ونهيك قد خضعت منهم الرقاب وسارعوا إلى إجابة دعوتك حين اتضحت لهم أدلة الصواب والزمان بإفضاء الأمر إليك قد طاب واعتدل والأرض في مشارقها ومغاربها بمهابتك قد أمنت من الوجل والنفوس الأبية قد أذعنت لمبايعتك من غير مهل والفتنة وقد رد الله بالغيظ مثيرها والألفة وقد برقت من سرائر أهل التوحيد أساريرها والعساكر المنصورة قد أحاطت به كما أحاطت بالبدور الهالة وقد أنزل الله عليك ناموس المهابة والجلالة وفوض إليك ما ولاه الله من أمور الإسلام والمسلمين وأسند إليك ما في يده من مصالح عباده المؤمنين‏:‏ لتقيم على أساس أحكامك دعائم الدين القويم وتسير الخلائق على منهاج طريقك المستقيم وتحسن إن شاء الله برعايتك عاقبة الرعية كما أصبحت قلوبهم بك راضيةً مرضية‏.‏

وعهد إليك أمير المؤمنين في كل ما وراء سرير خلافته وفي كل ما يرتبط بأحكامه إمامته وقلدك ذلك شرقاً وغرباً وبعداً وقرباً وبراً وبحراً وسهلاً ووعراً وفي كل ماله من الملك والممالك وما يفتحه الله على يدك بعد ذلك تفويضاً شاملاً وتقليداً كاملاً وإسناداً عاماً ولايةً مكملة البنيان مؤسسةً على تقوى من الله ورضوان وسلطنةً آخذةً بالذمم مشتملةً على جميع الأمم يدخل في هذا العهد العام والتفويض التام والرأي الذي شهد له إجماع الأمة بالإحكام يدخل في ذلك مفضول الناس وفاضلهم وعالمهم وجاهلهم وخاصهم وعامهم وناقصهم وتامهم وشريفهم ومشروفهم وقويهم وضعيفهم وآمرهم ومأمورهم وقاهرهم ومقهورهم والجمع والجماعات وبيوت العبادة والطاعات والقضاة وأحكامها والخطباء ومنابرها وأعلامها والجيوش والعساكر والكتائب ورب سيفٍ وكاتب إنشاء وقلم حاسب وطوائف الرعايا على اختلاف أطوارهم وتفاوت أرزاقهم وأقدارهم والعربان والعشائر وبيوت الأموال والذخائر وداني الأمم وقاصيها وطائعها وعاصيها والخراج وجبايته والمصروف وجهاته والصدقات ومستحقوها والرزق ومرتزقوها والإقطاعات والأجناد وما يستعد به لمواطن الجهاد والمنع والعطاء والقبض والإمضاء والخمس والزكوات والهدن والمعاهدات والبيع والقمامات وما يظهر من أمور الملك وما يخفى وما تستدعيه براعتك في السر والخفا وشعار السلطنة وأهبتها ونواميس الملك وحرمتها‏.‏

فأجبت رعاك الله دعوة أمير المؤمنين ودعوتهم لقبول ذلك مسؤولاً معتمداً على أن الله سينزل إليك من يسددك من الملائك فعلاً وقولاً فاجلس أيدك الله على تخت ملكٍ قد هيأه الله لمواقفك المطهرة وسرير سلطنةٍ علقت سرير سعدك الامجد فتقاعست الهمم عنه مقصرة‏.‏

فالحمد لله ثم الحمد لله عن الدهر وأبنائه ولا مثل هذه النعمة بهذا الخبر وأنبائه ‏"‏ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ‏"‏ وهذا ما كان من قضية الدين على رغم الوسواس الخناس وهذا ما كانت الآمال تنتظر وروده وجواري القدم ترتقب سعوده‏:‏ وأما الوصايا فأنت بحمد الله طالما ملأت بها الأسماع وكشفت عاطفتك لمن أردت ترتيبه عنها القناع ولكن عهد من تعبداتك السماع لشدوها والطرب لحدوها فعليك بتقوى الله فيها تورق أغصان الأرب الذوابل ويغرد طائر عزك الميمون بالأسحار والأصائل فاجعلها ربيع صدرك وأينع بها حدائق فكرك وروح بعرفها الأريج أرجاء ملكك وأجر الشرع الشريف على ما عودته من نصرك والعلماء على ما ألفوه من برك وخيرك فهم ورثة الأنبياء عليهم السلام والدالون على الشريعة بأسنة أقلامهم ما يكل عنه حد الحسام وطهر منصب الشرع الشريف من الرذائل وصن أيام ملكك الشريف عن الجهال والآكلين أموال الناس بالباطل والعدل ونستغفر الله فإنك مثمر لغراسه رافعٌ ما انهدم من أساسه قد جعلته مجلس محاكماتك وأنيس خلواتك والفضل وبرك أخجل الأقلام فلو مر بك راجيك على الصفا لارتاح للمعروف أو شاهد هباتك حاتمٌ لرجع طرفه عنها وهو مطروف ولا سرف في الخير ولا ضرر ولا ضير وأمر بالمعروف وانه عن المنكر فأنت المسؤول بين يدي الله عن ذلك وانه نفسك عن الهوى بحيث لا يراك الله هناك وحدود الله فلا تتعداها والرعايا فحطها بعين رعايتك وارعاها وجند الجنود براً وبحراً وأنل أعدائك قهراً وقسراً وراجع النظر في أمر نواب السلطنة الشريفة مراجعة الناقد البصير وتيقظ لصيانة قلاع الممالك ومعاقلها وحصونها وتخير لها من ليس بمشكوك المناصحة ولا مظنونها وحطها مع عمارتها بالعدة والعدد والأقوات لكي تطمئن النفوس بمددها منها إذا طالت المدد وتفقد أحوال من فيها من المستخدمة وارع حقوق من له بها خدمةٌ متقدمة واجعل الثغور باسمةً بحفظتها ولاحظ الأمور بحسن تدبيرك المألوف في سياستها واستوص خيراً بأمرائك الخالصين من الشكوك السالكين في طاعتك أحسن السلوك وضاعف لهم الحرمة وارع لهم الذمة لا سيما أولي الفكر الثاقب والرأي الصائب فشاورهم في مهمات الأمور واشرح بإحسانك منهم الصدور وارع حقوق المهاجرين والأنصار الذين سلكت معهم مطاياهم البطاح والقفار وهجروا محبوبهم من الوطن والدار وجالدوا وجادلوا وآووا في سبيلك وقاتلوا وأنل كلاً منهم ما يرجوه واشرح صدورهم بإدراك ما أملوه وجيوش الإسلام فاغرس محبتك في قلوبهم بإحسانك وكما سبقتهم بإحسانك فتحبب إليهم بجزيل امتنانك وجيوش البحر فكن لها محيطاً وبجليات مشيها محيطاً فإنها توجه الأصقاع سليمانية الإسراع تقذف بالرعب في قلوب أعداء الدين وتقلع بقلوعها آثار الملحدين فواصل تجهيز السرايا لركوب ثبجه والغوص إلى أعداء الله في عميق لججه وأجمل النظر في بيت الله الحرام وحرم رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام‏:‏ لتسلك عين الأمن الأبطاح وتقر عيون حمره بالمائح والمتاح وتتعرف بعرفانك عرفات وترمى مخاوف الخيف من أيدي مهابتك بالجمرات وصل جيرانهما بصلاتك‏:‏ لتسهر أعينهم بالدعاء لك وأنت في غفواتك‏.‏

والقدس الشريف الذي هو أحد المساجد التي تشد إليها الرحال فزد تقديسه واجعل ربوع عباداته بالصلوات مأنوسة‏.‏

وإقامة موسم الحج كل سنة فأنت بعد حركة تيمور فاتح سبيله وكاسي محمله حلل توقيره وتبجيله‏.‏

هذه الوصايا تذكرةٌ للخاطف الشريف وحاشاك من النسيان وهذا عهد أمير المؤمنين ومبايعة أولي الحل والعقد قد تقاضيا إلى حقك على الزمان وعندك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما ضل من تمسك بهما ولامان فاتبع أحكام الله يوسع الله لك في ملكك واجعل هديك بهما إمام نهيك وأمرك وأد ما قلدك الله من حقوق الإمامة والأمانة إلى خلقه أداءً موفوراً‏:‏ ‏"‏ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ ولما كان هذا العهد قد ادرع جلباب العجائب فأعجب وارتدى برداء الغرائب فأغرب وسقي غرسه ماء البلاغة فأنجب وشنف الأسماع إذا أسمع فأرقص على السماع وأطرب وامتطى صهوة جياد البيان فتنقل فيها من كميت إلى أشقر ومن أحوى إلى أشهب أحببت أن آتي له بطرة هي له في الحقيقة ذيل ونغبةٌ من البحر وقطرةٌ من سيل لا جرم جعلتها هذا عهدٌ شريفٌ ترقمه أقلام أشعة الشمس بذهب الأصيل على صفحات الأيام وتعجمه الثريا بنقط النجوم الزواهر وإن كان لا عهد للعهود بالإعجام وتعترف ملوك الأرض أن صاحبه شيخ الملوك والسلاطين فتقدمه في الرأي وتجله في الرتبة وتعامله بالإجلال والإعظام من عبد الله ووليه وخليفته في أرضه وصفيه وسليل خلفائه الراشدين وابن عم نبيه الإمام الفلاني إلى السلطان الأعظم الملك الفلاني إلى آخر الألقاب‏.‏

وهذه نسخة عهد على هذا المذهب كتب به عن أمير المؤمنين المستعين بالله أبي الفضل العباس خليفة العصر للملك العادل شمس الدنيا والدين مظفرشاه بالسلطنة بالمملكة الهندية في شوال سنة ثلاث عشرة وثمانمائة بدمشق المحروسة من إنشاء الشيخ الإمام علامة العصر جامع أشتات الأدب ومالك زمامه تقي الدين محمد بن حجة الشاعر الحموي ومفتي دار العدل بحماة المحروسة مما كتب بخط المولى تاج الدين عبد الرحمن بن تاج أحد كتاب الإنشاء الشريف بالأبواب الشريفة في قطع البغدادي الكامل بخفيف الطومار وكانت الطرة المكتتبة في الوصل الأول خمسة أسطر بالقلم المذكور وسطرين بخفيف المحقق والطرة البيضاء خمسة أوصال والبياض بين كل سطرين ثلث ذراع وبيت العلامة الشريفة ضعف ذلك والهامش ربع الورق عهدٌ شريفٌ عهد به عبد الله ووليه سيدنا ومولانا الإمام الأعظم العباس أبو الفضل المستعين بالله أمير المؤمنين وابن عم سيد المرسلين أعز الله به الدين وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين إلى المقام الأشرف العالي السلطاني العادلي الشمسي أبي المجاهد مظفر شاه أعز الله تعالى أنصاره‏.‏

وقلده السلطنة المعظمة بحضرة دهلى وأعمالها ومضافاتها على عادة من تقدمه في ذلك ولايةً عامةً شاملةً كاملةً جامعة وازعةً قاطعةً ساطعة شريفةً منيفة‏:‏ في سائر الممالك الهندية وأقاليمها وثغورها وبلادها وعساكرها وأكابرها وأصاغرها ورعاياها ورعاتها وحكامها وقضاتها وما احتوت عليه شرقاً وغرباً بعداً وقرباً على ما شرح فيه‏.‏

الصدر بعد البسملة الشريفة‏:‏ الحمد لله الذي وثق عهد النجاح للمستعين به وثبت أوتاده‏:‏ ليفوز من تمسك من غير فاصلة بسببه وزين السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً وافرغ على أعطاف الأرض حلل الخلافة الشريفة وعلم أن خلفها الشريف زهرة الحياة الدنيا فقال عز من قائل‏:‏ ‏"‏ إني جاعلٌ في الأرض خليفة ‏"‏‏.‏

واختارها من بيتٍ براعة استهلاله في أول بيتٍ وضع للناس وسبقت إرادته وله الحمد أن تكون هذه النهلة من سقاية العباس‏.‏

فالحمد لله على أن جعل هذه السقاية عيناً يشرب بها المقربون ومن علم شرفها وتمسك بقوله والحمد لله الذي استخلف آله في الأرض وفضلهم فإن تحدث أحدٌ في شرف بيتٍ فالله سبحانه قد جعل البيت والحديث لهم فأكرم به بيتاً من أقر بعبوديته كان له بحمد الله من النار عتقاً وتمتع بنعيم بركته التي لا يتجنبها إلا الأشقى وهو البيت الذي بعث الله منه شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وصفى أهله من الأدناس وأنزل في حقهم‏:‏ ‏"‏ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ‏"‏ وصير علمهم الخليفتي على وجنة الدهر شامة وخصهم بالتقديم فالحمد لله والله أكبر لهذه الإمامة وإذا كان النسيب مقدماً في المدح وهو في النظم واسطة العقود فهذا هو النسب الذي كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمود وهذا هو الركن الذي من استلمه واستند إليه قيل له‏:‏ فزت بعلو سندك فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمه العباس‏:‏ ‏"‏ يا عم ألا أبشرك قال‏:‏ بلى يا رسول الله قال‏:‏ إن الله فتح الأمر بي ويختمه بولدك ‏"‏‏.‏

وهذا الحديث يرشد إلى التمسك بطيب العهود العباسية لتفيض على المتمسك بها نيل الوفاء وتعين من استعان بالمستعين وعلم أن النبي عليه السلام قال لجده‏:‏ ‏"‏ أنت أبو الخلفاء ‏"‏‏.‏

وناهيك أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم الفضل وهي شاكةٌ في الحمل‏:‏ ‏"‏ اذهبي بأبي الخلفاء ‏"‏ فما كان عبد الله المنتظم به هذا الشمل فاحبب بها شجرةً زكا غرسها ونما وتسامت بها الأرض وكيف لا وأصلها ثابتٌ وفرعها في السما فسلام على هذا الخلف الذي منه المستعين بالله والمتوكل عليه والواثق به والمعتصم والرشيد ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميدٌ مجيد‏.‏

نحمده حمد من علم أن آل هذا البيت الشريف كسفينة نوح وتعلق بهم فنجا ونشكره شر من مال إلى الدخول تحت العلم العباسي وتنصل من الخوارج فوجد له من كل ضيق مخرجا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجو أن تكون مقبولةً عند الحاكم وقت الأدا ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي حرضنا على التمسك بالعهود أرشدنا إلى طريق الهدى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين وفوا بالعهود وكانوا في نظام هذا الدين وجمعه فرائد العقود صلاةً يسقي عهاد لرحمة إن شاء الله عهدها وينتظم في سلك القبول عقدها وسلم تسليماً‏.‏

أما بعد حمد الله الذي ألهمنا الرشد وجعل منا الخلفاء الراشدين وهدانا بنبيه صلى الله عليه وسلم وخصنا من بيته الشريف بالأئمة المهديين واصطفى من هذا الخلف خلائف الأرض وسن مواضي العقول التي قطعت أن طاعتنا فرض فإن لعهدنا العباسي شرفاً لا يرفل في حلله إلا من اتخذ مع الله عهداً وأتاه بقلبٍ سليم فقد قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم‏:‏ ‏"‏ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم ‏"‏‏.‏

لا يتمسك بهذا العهد إلا من صحا إلى القيام بواجب الطاعة وترك أهل الجهل في سكرتهم يعمهون وانتظم في سلك من أنزل الله في حقهم‏:‏ ‏"‏ والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صبروا وأولئك هم المتقون ‏"‏ فمن نهض إلى المشي في منهاجه مشى بعين البصيرة في الطريق القويم وتلا له لسان الحال‏:‏ ‏"‏ أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراطٍ مستقيم ‏"‏ وهو قبضةٌ من آثار البيعة النبوية وشعار يتشرف به من مشى تحت ألويته العباسية وما أرسل هذا العهد النبوي إلى أحد من ملوك الأرض إلا عمه الشرف من جميع جهاته و ‏"‏ الله أعلم حيث يجعل رسالته ‏"‏ وشدت أعواد منبره طرباً وأزهرت رونقاً وأثمرت أدباً واستطالت بيد الخلافة لإقامة الحد وكيف لا ويد الخلافة لا تطاولها يد وكان المقام الأشرف إلى آخر الألقاب المذكورة في التعريف واسمه المكتتب في الطرة هو الذي رغب في التمسك بهذا العهد الشريف ليزيل عن ملكه الالتباس واستند إليه ليروي بسنده العالي عن ابن عباس فإنه الملك الذي ظفره الله بأعداء هذا الدين وسماه مظفراً ولقبه بالشمسي واختار له أن يقارن من الطلعة المستعينية قمراً أينع زهر العدل من حضرة دهلى فعطر الآفاق وضاع نشره بالهند فعاد الشم إلى المزكوم بالعراق وصارت دمن سمنات عامرةً بقيام الدين وأيده الله فيها بعد القتال بالفتح المبين ولم يترك للعدو في بيت بيت ليلة وأبطل ما دهره أهل دهلى بحسن اليقظة وقوة الصولة وأباد الكفرة من أهل ديو ولم يقبل لهم دية وفاءوا إلى غير أمر الله فأبادهم بسيفه الهندي فلم تقم لهم فية وفطر أكباد من ناوأه بها فلازموا عن رؤيتها الصوم ونادى منادي عدله بالبلاد الهندية‏:‏ لا ظلم اليوم ودانت له تلك الممالك براً وبحراً وسهلاً ووعراً ما نظم الأعداء على البحر المديد بيتاً إلا أبان زحافه وأدار عليه دوائره فكم نظم شمل الرعايا بالعدل ونثر رؤوس الطغاة بالسيف فلا عدم الإسلام ناظمه وناثره سئلت الركبان في البر عن مناقبه الجميلة وعم يتساءلون وقد صار لها عظيم النبا وصرح راكب البحر بعد التسمية باسمه ‏"‏ واتخذ سبيله في البحر عجباً ‏"‏ ج فظله في البر ظليل وعدله في البحر بسيط وطويل‏.‏

وهذا ولم يبق في تلك الممالك الهندية بقعةٌ غلا ولم يصغر الله بسنابك الخيل فيها ممشاه ولا نفسٌ خارجةٌ عن الطاعة إلا وماتت في رقعة الأرض بمظفر شاه فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السيدي الإمامي الأعظمي النبوي المستعيني سيدنا ومولانا أمير المؤمنين المستعين بالله أبي الفضل العباس ونسبه إلى الحاكم بأمر الله والدعاء بعد أن استخار الله تعالى سيدنا ومولانا أمير المؤمنين كثيراً واتخذه هادياً ونصيراً وصلى على ابن عمه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يفوض إلى المقام الأشرف المشار إليه ولاية العهد وكفالة السلطنة المعظمة بحضرة دهلى وأعمالها كما في الطرة كما هو المعهود‏:‏ ليهطل جود الرحمة على تلك البقاع المباركة إن شاء الله ويجود‏:‏ لما رآه من صلاح الأمة ومصالح الخلق استخلافاً تتحلى بذكره الأفواه وتستند إليه الرواة وتترنم به الحداة وتستبشر به كافة الأمم ويقطع به ويحفظه رب كل سيفٍ وقلم ويعتمد عليه كل ذي علم وعلم فلا زعيم جيش بها إلا وهذا التفويض يسعه ويشمله ولاإقليم من أقاليمها إلا ومن به يقبله ويقبله ويتمثل به ويمتثله ولا منبر بجوامعها إلا وخطيبه يتلو برهان هذا التفويض ويرتله‏.‏

وأما الوصايا فعنده إن شاء الله تهب نسمات قبولها وتعرب عن نصب مفعولها وهو بحد الله تعالى لوصايا هذا العهد المبارك نعم القابل ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ سبعةٌ يظلهم الله في ظله منهم الإمام العادل ‏"‏ والوصية بالرعايا واجبة والعدل فيهم قد حرض النبي صلى الله عليه وسلم عليه وقال‏:‏ ‏"‏ يومٌ من إمامٍ عادلٍ افضل من مطر أربعين صباحاً أحوج ما تكون الأرض إليه ‏"‏‏.‏

وقال ابن عمنا علي رضي الله عنه ‏"‏ الملك والدين أخوان لا غنى لأحدهما عن الآخر ونشرهما في الرعية ضائع فالدين أسٌ والملك حارس فما لم يكن له أسٌ فمهدوم وما لم يكن له حارسٌ فضائع ‏"‏ فليأمر بالمعروف وينه عن المنكر عالماً أنه ليس يسأل غداً بين يدي الله عز وجل عن ذلك سوانا وسواه وينه نفسه عن الهوى فلا يحسن لعود قده أن يميل مع هواه وليترك الثغور بعدله باسمةً وقواعد الملك بفضله قائمةً وليجاهد في الله حق جهاده ويلطف بالرعايا ويعلم أن الله لطيفٌ بعباده وليشرح لهم بالإحسان صدراً ويجرهم إذا وقف على أحوالهم أحسن مجرى وهو بحمد الله غير محتاج إلى التأكيد‏:‏ لأنه لم يخل له من القيام في مصالح المسلمين فكر ولكنه تجديد ذكر على ذكر و الله تعالى يمتع بطول بقائه البلاد والعباد ولا برحت سيوفه الهندية تكلم أعداء هذا الدين بألسنةٍ حداد وثبت ملكه بالعدل وشيد أقواله وأفعاله وختم بالصالحات أعماله والاعتماد على الخط الإمامي المستعيني أعلاه إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ ولم يعهد أنه كتب عن الخلفاء العباسيين القائمين بالديار المصرية عهدٌ لملك من غير ملوك الديار المصرية سوى هذا العهد‏.‏